أية مؤسسة بقيت فى مجتمعات بلاد العرب دون أن تهيمن عليها، أو تبتزها، أو تلاحق العاملين فيها، مؤسسات الحكم العربية؟
فمؤسسات التشريع والرقابة أصبحت غالبيتها صورية مظهرية إما من خلال انتخابات مزورة تديرها شتى أجهزة الاستخبارات، وإما من خلال لى أذرع وابتزاز غير المطيعين، أو من خلال تنظيمات وقوانين تحد من قدرتها على قيامها بواجباتها التشريعية والرقابية بحرية واستقلالية لا تراعى إلا مصالح المواطنين والمواطنات العامة.
وفضائح التدخل فى أمور السلطات القضائية، من تعيين الفاسدين المرتشين إلى إقصاء أصحاب الضمائر والعدل بشتى الحجج، تزكم الأنوف وتشير إلى قرب موت آخر معقل للعدالة.
وخلق مؤسسات وهمية، من مثل النقابات العمالية المستقلة المرادفة الانتهازية، أو من مثل مؤسسات حقوق الإنسان المضادة لكل ما تقوله مؤسسات حقوق الإنسان العالمية المستقلة، أو من مثل حل مجالس إدارة الجمعيات المهنية والأهلية إذا كانت من غير أصحاب الولاءات الكاذبة لهذه الجهة أو لتلك الشخصية، وعشرات غيرها، ليصبح المجتمع خاضعا لسلطة الدولة بدلا من خضوع الدولة لحقوق ومصالح وتطلعات مجتمعاتها الحرة المستقلة.
وبالطبع، وقبل كل شىء، استعمال المؤسسات الدينية وفقهائها المتربين على الطاعة العمياء لكل أمر أو توجيه باسم الدين أو باسم فهم بليد وتفسير سطحى للرسالات السماوية، استعمالهم لتبرير كل أخطاء وموبقات ومظالم السياسة، تماما كما تلبس بائعة الهوى لباس الحشمة.
وهكذا، ومنذ ثلاثة أيام، احتفل العالم، بما فيه بلاد العرب، بيوم الصحافة. ولقد بكيت حرقة وأنا أستمع، من خلال شتى المقابلات التلفزيونية والاتصالات الإذاعية، لشكاوى وقصص وأحزان ومخاوف العاملين والعاملات فى الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى العربية، كانت الشكاوى والآهات واحدة متطابقة للمنتمين والمنتميات لكل الأقطار العربية.
الغالبية الساحقة وصفوا الضغوط الشخصية والمهنية والمالية التى تمارسها وزارات الإعلام أو شتى شبكات الاستخبارات أو بعض الوزارات لتحد من قدرتهم على نقل الأخبار الصحيحة، إذا كانت لا تمجد نظام الحكم، أو نقد الأوضاع العامة، أو التعبير عن الأفكار السياسية التحررية. بعضهم فصلوا من وظائفهم والبعض الآخر دخلوا السجون. بعض العاملات جرى التحرش بهن جنسيا، وأحيانا اغتصابهن. بعض العاملين هددوا بالقتل أو حتى قتل الأقارب. وبالطبع بعضهم وبعضهن هاجروا إلى المنافى حفاظا على الأرواح أو على الشرف أو على الضمير.
ولقد تفننت بعض الحكومات فى إصدار القوانين الغامضة، المليئة بالكلمات القابلة لألف تفسير، من أجل جعل كل إعلامية وإعلامى غير زبونى أو موالٍ أو كاذب يشعر بأن جبروت المخابرات وميليشيات التعذيب فى السجون حاضرين أمامهم فى الحلم وفى الخيال. ومن هنا، كما قال بعضهم، التشابه التام بين كل ما يتلفظ به «كبار» الإعلاميين والإعلاميات، إذ أن مصدره الخفى واحد، والرشوة واحدة.
وهكذا يحق لنا أن نسأل: هل بقيت مؤسسة مجتمعية واحدة فى أرض العرب لم تقع فى شباك الهيمنة والاستعمال الانتهازى لمصالح الامتيازات والمكانات والتاريخ المزور؟
حاولت، وأنا أستمع لأنين أصحاب الصحافة، أن أسمى مؤسسة مجتمعية عربية واحدة خارج ذلك السجن المريع، ولكنى فشلت.
إنها لعنة شيطانية يحار الشياطين أنفسهم أمام جبروتها وأهوالها.
مفكر عربى من البحرين