علاج عجز الجامعة والقمم العربية - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:35 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علاج عجز الجامعة والقمم العربية

نشر فى : الأربعاء 5 يونيو 2019 - 9:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 يونيو 2019 - 9:30 م

فى عالم الطب توجد قاعدة أساسية مفادها: أن علاج عوارض وظواهر المرض دون استئصال جذوره وأسبابه لن يؤدى إلى الشفاء، بل وقد يقود إلى موت المريض، تنطبق هذه القاعدة على عالم السياسة أيضا، ومنها على الأخص عوالم السياسة فى بلاد العرب إبان حاضرنا الكارثى الذى نعيشه حاليا.

فالمؤسستان السياسيتان القوميتان الرسميتان الباقيتان فى الواقع العربى تتعاملان مع أعراض وظواهر مرض مركب سرطانى عربى بالغ الخطورة بنفس أسلوب الطبيب المستهتر بصحة مريضه: محاولات بائسة لإطفاء حريق محلى فى هذا القطر العربى أو ذاك، استعانة أو استقواء بجهات أجنبية استعمارية خبيثة بسبب عجزها، تضحية بقضايا ومصالح قومية عربية كبرى من أجل مصالح محلية مؤقتة متوهمة، استعمال انتهازى للمال العربى لتقديم الرشاوى أو الصرف ببذخ على حملات العلاقات العامة المغطية لكل قبح وتشوه، تجييش لقوى إرهابية متخلفة رافعة زورا وبهتانا لرايات الدين الإسلامى الحنيف فى سبيل إسقاط هذا النظام أو ذاك، استزلام الموالين الانتهازيين بعطايا الاقتصاد الريعى.

كل تلك الممارسات، وغيرها الكثير والكثير من الممارسات اليائسة المسكنة المخفقة للعوارض وليست المعالجة لحذور وأسباب المرض، تتجاهل عن عمد أصل المرض العربى الحقيقى المتمثل فى الرفض الطفولى من قبل الغالبية الساحقة من أنظمة الحكم العربية لقيام نظام مؤسساتى ديمقراطى قومى عروبى، وحدوى فى روحه وتطلعاته، معتمد على مبادئ تضامنية واضحة وملزمة وعلى آليات عمل سياسية واقتصادية وقانونية وأمنية مشتركة كفؤة وفاعلة وبصلاحيات واسعة، ممثل للحكومات من جهة ولقوى المجتمعات المدنية العربية وشعوبها من جهة أخرى، تتعايش فيه السيادة الوطنية القطرية مع السيادة الجمعية القومية.

قيام ذلك النظام لا يمكن أن يتم إلا إذا انطلق من اقتناع بأن أمة العرب هى أمة واحدة وأن وطن العرب هو وطن واحد، وبالتالى فإن توحيد الأمة والوطن هو الهدف النهائى، حتى ولو تم على مراحل تدريجية وبخطوات واقعية مدروسة وبأساليب شرعية سلمية.

بدون مثل ذلك النظام لا يمكن الحديث عن إرادة عربية قومية مشتركة، قادرة على دحر الأخطار الخارجية الهائلة، وعلى بناء تنمية عربية متناسقة المكونات ومتعاضدة القدرات، وعلى الوقوف كند صلب رادع أمام أى أطماع أو تدخلات إقليمية من جهة، وأمام المشروع الاستعمارى الاستيطانى الصهيونى الإجرامى، وأمام دول أجنبية إمبريالية تسعى لابتزاز العرب ولتمزيق مجتمعاتهم وإدخالها فى صراعات طائفية أو أثنية أو قبلية من جهة أخرى.

عند ذاك لن تكون مناقشات وقرارات الجامعة العربية أو القمم العربية إنشائية نظرية جزئية معتمدة على قبول ومباركة من قبل هذه الدولة الأجنبية أو تلك، وذلك أنها ستكون مناقشات وقرارات معتمدة على طاقات الأمة الذاتية الهائلة بفضل دعم ومشاركة فعالة من قبل قوى المجتمعات المدنية العربية وملايين المواطنين العرب.

عند ذاك لن يحتاج المسئولون العرب الذهاب إلى واشنطن أو لندن أو باريس لاستجداء العون والرضى، ولن يجرؤ أمثال كوشنر وبولتون وبومبيو وغيرهم من الصهاينة الجدد على تقديم مشاريعهم التآمرية وكأن أرض العرب أصبحت عقارا يملكونه أو مزرعة يبيعونها.

لكن، دعنا نستدرك فى الحال بأن وجود ذلك النظام، بمواقفه وقدراته وفاعليته تلك، سيعتمد على توفر شرط أساسى فى الحياة العربية: انتقال جميع المجتمعات العربية من وضع الأنظمة السياسية المليئة بعاهات التسلط والفساد إلى رحاب نوع معقول متوازن حقيقى من الحكم الديمقراطى العادل فى السياسة والاقتصاد والحقوق الإنسانية. ذلك أن وجود شرعية ديمقراطية وطنية هو شرط لوجود شرعية قومية جماعية.

لعل الخطوة الأولى الواقعية هى فى إجراء تعديلات إصلاحية فى ميثاق الجامعة العربية وفى نظام مؤسسة قمة الرؤساء العرب، تعديلات تؤدى إلى وجود هيئة مدنية شعبية، مماثلة للبرلمان الأوروبى، لها سلطات تشريعية ورقابية ومسموعة الكلمة، وذلك بموازاة التمثيل الحكومى الرسمى فى مؤسستى الجامعة العربية وقمة الرؤساء العرب.

ليس المجال هنا للدخول فى تفاصيل تكون تلك الهيئة المدنية الشعبية، ولكن بشرط أساسى واحد وهو عدم اختيار وتعيين أعضائها من قبل الحكومات، وإنما اختيارهم وتعيينهم من قبل قوى وشعوب المجتمعات المدنية.

من الضرورى أن تقتنع أنظمة الحكم العربية بأنه، مثلما لا يوجد أى تعارض بين وجود البرلمان الأوروبى المنتخب وبين جهات اتخاذ القرارات والتنفيذ الحكومية الأوروبية فى بروكسل، فإن من الممكن بناء شىء مماثل فى أرض العرب.

بدون وجود فاعل لصوت المجتمعات المدنية فى تلك المؤسستين القوميتين ستظل المؤسستان فى وضعهما الحالى الملىء بألف علة وعلة.

اعتقاد الكثير من أنظمة الحكم العربية بأنها الأقدر على إدارة الأوضاع العربية الهائجة المعقدة، فى عالم خطر متغير بسرعات مذهلة، أثبتت الأحداث المأساوية العربية الأخيرة خطأه وقصر نظره وتضاده الواضح مع أفكار وممارسات العصر الذى نعيش.

آن الأوان أن يتغير ذلك الاعتقاد وأن نلتحق بركب بقية العالم الذى يسير بخطى حثيثة، بالرغم من كل العقبات، نحو توازن معقول بين سلطة الدولة وسلطة المجتمع.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات