على عهدة وذمة الكاتب الأمريكى مايكل وولف فى كتابه المثير للجدل «نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض»، فإن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، قال لمساعديه فى البيت الأبيض: «إنه ومعه مساعده جاريد كوشنر هندسا انقلابا فى السعودية ووضعا رجلهما محمد بن سلمان فى قمة الحكم بالسعودية».
مزاعم وولف نقلها مراسل وكالة الأسوشيتد برس فى البيت الأبيض جوناثان ليمير.
هل ما قاله ليمير نقلا عن وولف صحيح أم لا؟!
بالطبع لا أحد يملك معرفة الحقيقة القاطعة حتى الآن، لكن لا يوجد ما يدعو المؤلف وولف إلى اختراع مثل هذه القصة من تلقاء نفسه، وبالتالى يصبح السؤال الصحيح هو: هل ما قاله ترامب صحيح أم لا؟!.
الإجابة يفترض أن تأتى من السعودية، ومن الأمير محمد بن سلمان تصحيحا، لتنفى وتكذب أو تؤكد هذه المعلومات الخطيرة، التى يقول الكاتب إنها جاءت فى أعقاب الزيارة التاريخية التى قام بها ترامب للسعودية فى ٢٥ مايو الماضى، واجتمع خلالها بالملك سلمان وقادة العالم الإسلامى بالرياض، وعاد منها محملا بصفقات وتعهدات تصل قيمتها إلى نصف تريليون دولار، وبعدها بايام قليلة صدر قرار تولى محمد بن سلمان منصب ولاية العهد فى يونية الماضى.
لكن وبما أننا لن نستطيع الآن وهنا حسم سؤال: هل هندس ترامب انقلابا فى السعودية أم لا، فإن المغزى الرئيسى الذى لا يصل إلى غالبية المسئولين العرب هو خطورة وضع ثقتهم الدائمة فى يد كبار المسئولين الأمريكيين من أصغر ضابط اتصال بالمخابرات الأمريكية إلى الرئيس نفسه.
لم يتعظ المسئولون العرب ولم يقرأوا حتى الوقائع والأحداث القريبة، ليكتشفوا أنه لا عزيز عند ترامب وأجهزة مخابراته، وأنه رجل فضائحى يكشف أسرار أسرته الخاصة وكذلك زوجات اصدقائه، فما بالكم بأسرار الآخرين؟!!!.
يجلس المسـئول العربى مع نظيره الأمريكى ويتحدث معه فى كل شىء يخص نفسه وبلاده وأمنها القومى، معتقدا أنه يتحدث إلى صديق حميم، ولا يدرك أبدا أن العقل الأمريكى لا يعمل ولا يفكر بنفس طريقة عقلنا العربى القائمة على العاطفة والانفعال والثقة المطلقة.
المسئول الغربى يتحدث بلغة عملية نفعية ويسجل كل شىء، ويرفعه إلى وزارة خارجيته أو الجهة التى يمثلها أو المسئول العربى يتعامل أحيانا مع مثل هذه اللقاءات وكأنه جالس مع صديقه الحميم منذ سنوات يتحدث فى المطلق ويقدم تعهدات فضفافة.
يجلس المسئول العربى وهو واثق تماما بأن المسئول الغربى لن يتحدث عما دار فى هذا اللقاء السرى جدا. لكنه بعد فترة من الزمن يتفاجأ بأن مضمون اللقاء تم تسريبه إلى الواشنطن بوست أو النيويورك تايمز أو أى وسيلة إعلام أمريكية، بهدف تحقيق مصالح أمريكية حتى لو أدى ذلك إلى حرق المسئول العربى إعلاميا وشعبيا.
هذا الأمر المأساوى لم يعد قاصرا على اللقاءات العربية الأمريكية، بل انتقل إلى اللقاءات العربية الإسرائيلية، التى توسعت فى الفترة الأخيرة وانتقل بعضها من دائرة السرية المطلقة إلى العلنية المفضوحة. وصار بعض العرب ــ خصوصا فى الخليج ــ يتباهون بهذه العلاقات، ويرسلون وفودهم إلى الأراضى الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الصهيونى، من دون مراعاة مشاعر الشعوب العربية، بعد قرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة.
ومن المؤسف أننا كعرب صرنا نعرف حقيقة علاقاتنا مع الإسرائيليين من خلال وسائل إعلامهم، وليس من خلال البيانات الرسمية التى تصدر من بلداننا، كما حدث مثلا فى القمة الرباعية الإسرائيلية الأمريكية المصرية الأردنية التى عقدت فى العقبة الأردنية عام ٢٠١٦، وكانت البداية الأولى لما سمى بصفقة القرن التى تبين لاحقا أنها «فنكوش كبير».
صارت «هاآرتس» و«يديعوت أحرونوت» و«القناة العاشرة» الإسرائيلية هى المصادر، التى نعرف منها آخر أخبار العلاقات الصهيونية مع بلدان الخليج العربى.
ما لا يعرفه الكثير من حكام منطقتنا أن المسئولين الغربيين والإسرائيليين لا يريدون إلا مصالح بلدانهم، كما فعل ترامب حينما عاد من السعودية فى مايو الماضى قائلا: «لقد عدت بالكثير من المال والصفقات».
هؤلاء لا يفكرون فى الصداقة أو الثقة ولا يكترثون حينما يفضحون المسئولين العرب أو يدعون عليهم بالباطل.
السؤال الجوهرى: متى نفيق من الأوهام التى لا يزال بعضنا يصر على العيش فيها؟!!.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.