فى غالبية الطرق الرئيسية والكبرى فى الصين هناك «حارة فاضية» تسير فيها فقط سيارات الإسعاف والشرطة وأتوبيسات النقل العام.
رأيت ذلك بنفسى قبل ساعات من ليلة رأس السنة الماضية، وأنا فى طريقى من مطار بكين إلى الفندق الذى أقيم فيه قرب جامعة بكين للدراسات الأجنبية.
الطريق كان مزدحما واستغرق أكثر من ساعتين، وهو يشبه الزحام إلى حد ما فى القاهرة، خصوصا فى ساعة الذروة، التى تبدأ من الرابعة حتى السادسة عصرا موعد عودة غالبية الموظفين لبيوتهم.
رأيت الأمر نفسه فى شهر فبراير الماضى فى برشلونة، ورأيته قبل ثلاث سنوات فى روما، لكنه كان مقصورا فقط على سيارات الشرطة وسيارات الهيئات الدبلوماسية.
هذه الطريقة تتيح لسيارات الإسعاف والشرطة أن تسير بسرعة شديدة، وتصل إلى أهدافها بصورة سلسة، من دون إطلاق «السارينات» الشهيرة والمزعجة.
سوف يسأل البعض: وكيف يمكن تطبيق نظام «الحارة الفاضية»، أليس من الطبيعى أن يسعى كل سائق إلى كسر النظام والسير فى هذه الحارة؟!.
«كل ابن آدم خطاء» كما يقولون، ولذلك فإن النظام يتعلق بالمعاقبة الفورية للمخالف.غير مسموح لأحد بالسير فى هذه الحارة باستثناء الفئات الثلاث المذكورة، إلا إذا كان يريد أن يخرج من الطريق السريع عبر هذه المخارج.
هناك ما يشبه التقدير والإجلال لأتوبيسات النقل العام فى الشوارع الصينية. الأتوبيسات عادية، أو بدورين، أشكالها جميلة وملونة ومبهجة، وبعضها مزدحم، لكن ليس على الطريقة المصرية. وبسبب أنها تسير فى حارات سالكة وسريعة فإن كثيرا من الصينين يستخدمون المواصلات العامة.
فى كل محطة هناك موظف متقاعد على المعاش تتفق معه هيئة النقل على العمل مرشدا للركاب. هو يقف فى المحطة حاملا علما ملونا، يرتب دخول الناس إلى الأتوبيس، خصوصا إذا كان هناك زحام. غير مسموح لأحد بالاقتراب من الأتوبيس أو العبث به أو كتابة اسمه واسم حبيبته على «الكراسى الجلد» بالطريقة التى تحدث عندنا.
وبجانب هذه الحارة السريعة، هناك «حارة خدمات»، بطيئة، تسير فيها الدراجات والموتوسيكلات والتوك توك الصينى.
الشوارع نظيفة للغاية، ويتم كنسها ورشها وما يقترب من عملية غسلها بالكامل. ويحدث ذلك بصورة منظمة، بحيث تكون الطرق جاهزة ونظيفة قبل بدء العمل الرسمى صباحا. وحتى إذا استمرت الأمطار تهطل أسبوعا كاملا، فإن نظام التصريف لا يجعل الناس يشعرون بوجود أى مشكلة.
مرة أخرى ما الذى يجعل السائق ملتزما؟!
هل هى أخلاقه وجدعنته ووطنيته وحبه لبلده الصين؟!. لا شىء من كل ذلك، بل القانون والتربية والنظام، فى كل رخصة قيادة يحصل عليها المواطن هناك ١٢ نقطة، إذا فقد منها السائق ست نقاط فإنه يتم سحب الرخصة منه لمدة سنة وكذلك وقف سير السيارة.
وبالطبع فكل مخالفة لها ثمن، والثمن الأكبر هو لمخالفة السير عكس الاتجاه، إضافة بالطبع إلى تسديد ثمن المخالفة نقدا. وهكذا فكل سائق يكون حريصا على الالتزام بالقانون، حتى لا يجد الرخصة مسحوبة والسيارة غير مسموح لها بالعمل سواء له أو لغيره.
القانون هناك يطبق على الجميع، بل إن الاستثناء لسيارة الشرطة بالسير فى الحارة الفاضية يكون مشروطا بأنها فى حالة عمل، وليست فى نزهة أو أنها تقوم بتوصيل أبناء الضابط للمدرسة أو النادى أو سوق الخضار، بل إن ضباط الشرطة غير مسموح لهم بارتداء زيهم الرسمى داخل المواصلات العامة. فى هذه الحالة، عليه أن يخلع زيه الرسمى ويعود مواطنا عاديا.
هل نتعظ أو نحاول أن نتعلم شيئا ونطبق مقولة: «اطلبوا العلم ولو فى الصين»؟!.