نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب وليد خدورى، أوضح فيه كيفية استعمال البترول لإنتاج طاقة قليلة الانبعاثات، إذ تعد صناعة «التقاط وتخزين الكربون» وسيلة لاستعمال النفط بأقل الطرق الممكنة للتلوث. كما أشار الكاتب إلى استحالة الوصول إلى صافى الانبعاثات الصفرى بحلول عام 2050 اعتمادا على الطاقة المتجددة فقط. إذن، لابد من استخدام جميع الوسائل المتوفرة لدينا لتحقيق الأهداف المرجوة من الاتفاقيات البيئية.. نعرض من المقال ما يلى:
من المتوقع أن يناقش مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة تغير المناخ فى نهاية هذا العام فى اجتماعات «كوب ــ 28» فى دولة الإمارات مسألة لطالما تغاضت عن مناقشتها مؤتمرات «كوب» السابقة، ألا وهى دور وموقع النفط والغاز فى سلة الطاقة ما بعد تصفير الانبعاثات. من المعروف أن هناك معارضة واسعة لدى الرأى العام الغربى وحكوماته وحركاته الخضر لاستعمال البترول مستقبلا؛ إذ يعدّونه المسئول الأول عن التغير المناخى. لكن هناك عوامل عدة ساعدت مؤخرا لفتح المجال لمناقشة هذا الموضوع المهم وفتح المجال لانضمام البترول إلى سلة الطاقة عند تصفير الانبعاثات. يكمن السبب الرئيسى لذلك فى بروز صناعة «التقاط وتخزين الكربون»، التى لا تزال محدودة الاستعمال لحينه، لكن ساعدت التطورات العالمية مؤخرا على إظهار ضرورتها المستقبلية.
برهنت جائحة كورونا والحرب الأوكرانية على أهمية الإمدادات البترولية فى نظام الطاقة العالمى والمشكلات المترتبة على اختلال ميزان العرض والطلب البترولى على معدلات الأسعار.
فالنفط والغاز يشكلان أكثر من 50 فى المائة من مجمل استهلاك الطاقة العالمى، والطلب عليهما فى ازدياد سنوى، بحيث إن إنتاج النفط قد ازداد فعلا اليوم عن معدله ما قبل الجائحة.
ويتوقع حصول نقاش واسع ما بين أولئك الذين سيشيرون إلى درجات الحرارة القياسية لهذا الصيف، مقابل الدول البترولية التى ستشير من جانبها إلى صناعة «التقاط وتخزين الكربون» كوسيلة لاستعمال النفط والغاز بأقل وسيلة ممكنة للتلوث. وقدّم خبير الطاقة من الكويت الدكتور عدنان شهاب الدين فى مؤتمر دولى عُقد فى إيطاليا فى منتصف شهر أغسطس الماضى بحثا بعنوان «مشهد عالمى لصناعة التقاط وتخزين الكربون» استعرض فيه الجوانب المتعددة لهذه الصناعة الحديثة والضرورية لاستمرارية الصناعة البترولية مستقبلا. وشرح الدكتور شهاب الدين أولا تقنية الصناعة التى ستؤدى إلى تخفيض كبير فى كربونية البترول، وإنتاج الهيدروجين المنخفض الكربون، وتقليص بعض الانبعاثات إلى الصفر، وإنتاج طاقة قليلة الانبعاثات.
يتم التقاط الكربون فى معامل قريبة من مصادر الإنتاج، ثم يتم تسييل الكربون ونقله من خلال أنابيب أو ناقلات، ليتم تخزين السائل الكربونى فى خزانات خاصة أو فى آبار عميقة وفارغة. هذا بالإضافة إلى خزنه فى كهوف أو مناجم الفحم الفارغة.
تحقن السوائل الكربونية فى آبار فارغة على عمق 10 إلى 20 ألف متر تحت سطح الأرض أو البحر. من الممكن لاحقا استعمال ثانى أكسيد الكربون لدعم الإنتاج النفطى والغازى من بعض الآبار فى المناطق البرية أو البحرية.
ينطلق الخبير العربى من قاعدة أساسية فى مسألة مكافحة تغير الانبعاثات، وهى: «أن العلم واضح حول ضرورة استعمال جميع الوسائل المتاحة (استعمال جميع الإمدادات التى تم تحييدها للكربون) فى المحاولات لتنفيذ أهداف اتفاقية باريس 2015، ومن ثم تفادى أسوأ الاحتمالات المناخية. يؤكد البحث أن صناعة «التقاط وتخزين الكربون» ضرورية فى جميع سيناريوهات تصفير الانبعاثات، والسبب:
ــ أن الوقت قد أصبح ضيقا (25 سنة تقريبا) للبدء بالتحدى الكبير لتصفير الانبعاثات؛ لذا من الضرورى استعمال جميع الوسائل المتوفرة لدينا لتقليص وللتخلص من الكربون، حسب ما اتفقت عليه مجموعة الدول الكبرى العشرين.
ــ بما أن بعض الأقطار الاقتصادية الكبرى تتوقع بدء تصفير الانبعاثات فى دولها بعد عام 2050 (فالهند حددت عام 2070، والصين عام 2060، والكثير من دول العالم الثالث لم تحدد أى موعد بعد)، من ثم فمن غير المتوقع ــ بل من المستحيل ــ تحقيق تصفير الانبعاثات عالميا بحدود عام 2050، بالاعتماد فقط على الطاقات المتجددة.
ــ من جانبها، أكدت الأمم المتحدة ومنظمات طاقوية متخصصة، أنه من الضرورى الإسراع بتشييد صناعة «التقاط وتخزين الكربون»؛ لأجل تنفيذ مقررات اتفاقية باريس 2015، وإلا فيجب أن نتوقع أسوأ الاحتمالات المناخية الكارثية.
تشير المعلومات عن تجارب تشييد هذه الصناعة عالميا إلى أنها بدأت تتوسع منذ عام 2022 على ضوء تجارب الجائحة وحرب أوكرانيا. حيث تأخذ منحى تجاريا واستراتيجيا. وقد بلغت مجمل الاستثمارات للقطاعين الخاص والحكومى فى الصناعة أكثر من مليار دولار. لكن رغم ذلك، فإن التحديات لا تزال كثيرة، منها الشراكات الاستراتيجية بين الحكومات والشركات، ناهيك عن اقتصاديات الصناعة نفسها. واستمرت الحاجة إلى تقليص الانبعاثات فى مختلف مراحل الصناعة. وتشير التقديرات إلى ضرورة زيادة الاستثمارات إلى تريليون دولار لإنجاز الأهداف المرجوة فى الوقت المناسب.
النص الأصلى