المملكة العربية السعودية.. تجريم الإرهاب و«الربيع العربى» - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المملكة العربية السعودية.. تجريم الإرهاب و«الربيع العربى»

نشر فى : الثلاثاء 7 يناير 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 7 يناير 2014 - 8:00 ص

كتبت لورى بلوتكين بوجارت، زميلة أبحاث فى برنامج سياسة الخليج فى معهد واشنطن مقالا تحليليا عن المرسوم المتوقع أن يُصدره العاهل السعودى الملك عبدالله خلال الأيام المقبلة والذى يقضى باعتماد «نظام جديد لجرائم الإرهاب وتمويله». ويأتى ذلك فى أعقاب التعديلات التى جرت على قانون الإجراءات الجنائية فى البلاد فى مطلع هذا الشهر.

وقانون جرائم الإرهاب الذى وافق عليه مجلس الوزراء السعودى فى 16 ديسمبر يعرِّف الإرهاب بأنه أمر «يخل بالنظام العام» و«يعرض الوحدة الوطنية للخطر» و«يشوه سمعة الدولة أو مكانتها»، إلى جانب أمور أخرى. إن التغيير على قانون الإجراءات الجنائية الذى دخل حيز التنفيذ فى 6 ديسمبر يضفى الشرعية على احتجاز السجناء دون تهمة أو محاكمة لأجل غير مسمى.

وإلى جانب ذلك، فإن التشريعات الجديدة سوف تشدد الإطار القانونى لأساليب المملكة فى التعامل مع الإرهاب والمعارضة غير العنيفة، وغيرها من الأنشطة التى تعتبر مسيئة للحكومة. ولا يوجد لدى المملكة العربية السعودية حتى الآن قانون عقوبات مكتوب، ويصدر القضاة الأحكام ضد المتهمين وفقا لتفسيرهم للشريعة الإسلامية، وفقا لما ورد فى تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» الذى نُشر فى 18 ديسمبر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الملك فهد كان قد أصدر قانون الإجراءات الجنائية فى عام 2001، لكن القضاة لا يتمسكون بأحكامه بشكل متسق. وقد نظرت «محكمة جنائية متخصصة» فى قضايا الإرهاب والتعبير السلمى عن الرأى منذ تأسيسها فى عام 2008.

•••

ألهمت الانتفاضات العربية الشعبية التى بدأت قبل ثلاث سنوات بعض السعوديين أيضا إلى التظاهر فى شوارعهم مطالبين بالتغيير ــ وهو أمر غير مسموح به فى المملكة. وقد جرى تنظيم احتجاجات شعبية فى مطلع 2011 على يد مواطنين يدعون إلى الإفراج عن أقاربهم المحتجزين لفترات طويلة دون توجيه تهم إليهم أو محاكمتهم؛ وكذلك من قبل مواطنين شيعة يطالبون بإجراء إصلاحات اجتماعية وسياسية؛ إلى جانب معلمين وخريجى جامعات عاطلين يرغبون فى تحسين ظروف العمل؛ فضلا على نساء تطالبن بحقوقهن فى قيادة السيارات.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه فى إطار هذا السياق تمت أصلا صياغة تشريع جرائم الإرهاب فى أوائل 2011، وهو التشريع ذاته الذى وافق عليه مجلس الوزراء السعودى فى 16 ديسمبر هذا العام. وفى يوليو 2011، تم تسريب مسودة القانون إلى «منظمة العفو الدولية»، التى انتقدت ما جاء فيه، وسط انتقاد شعبى وتهكم من قبل نشطاء حقوق الإنسان المحليين. وبعدها حجبت القيادة السعودية موقع «منظمة العفو الدولية» وعلقت المسودة. وقد كان جزء من مسودة 2011 أيضا إجراء تغيير على المدد القانونية للاعتقال دون تهمة أو محاكمة، من ستة أشهر إلى فترة غير محددة.

ولكن هذه المرة، وفى اعتراف واضح بالانتقادات السابقة، يقول وزير الثقافة والإعلام السعودى، عبدالعزيز خوجة، الذى يشار إليه بأنه من «أبرز الشخصيات» الواضعة للتشريع الجديد المتعلق بالإرهاب لعام 2013 بـ«أن مبدأ التوازن بين أخطار تلك الجرائم، وحماية حقوق الإنسان قد جرى الحفاظ عليه.. بواسطة الشريعة الإسلامية».

•••

من المتوقع أن يدعم التشريع الجديد سياسات الدولة القائمة ضد الانشقاق السياسى، وعدم الامتثال المتصور مع القيم الدينية، من خلال أنشطة مثل قيادة المرأة للسيارات والإرهاب نفسه. كما أنه قد يدعم اتخاذ إجراءات أوسع وأكثر صرامة. وقد تشمل أهداف القوانين الجديدة:

النشطاء فى مجال قيادة المرأة للسيارات. تم مؤخرا توجيه تهمة «الإخلال بالنظام العام» ضد هؤلاء النشطاء وهذه جريمة إرهابية وفقا للتشريع الجديد الذى وافق عليه مجلس الوزراء.

المتظاهرون الشيعة فى المنطقة الشرقية. وُجهت إلى هؤلاء المتظاهرين تهمة «الإرهاب» و«التحريض على الاضطرابات» إلى جانب تهم أخرى.

شركاء «الإخوان المسلمين» وأنصارهم. أظهرت بعض تلك الشخصيات نشاطا سياسيا متزايدا فى أعقاب الإطاحة بالرئيس المصرى السابق محمد مرسى.

ممولو الإرهابيين والإرهاب. يشمل ذلك المرتبطين بحملة تنظيم «القاعدة» فى المملكة خلال الفترة 2003 ــ 2008، مثل السعوديين الذين حُكم عليهم الشهر الماضى فى الهجوم على القنصلية الأمريكية فى جدة فى ديسمبر 2004.

المتظاهرون الذين يحتجون على اعتقال السجناء لفترات طويلة دون تهمة أو محاكمة. سوف يساعد التعديل الجديد على قانون الإجراءات الجنائية الذى يجيز الاحتجاز لأجل غير مسمى، على إضفاء الشرعية على استهداف المتظاهرين من خلال الإجراءات الأمنية.

السجناء أنفسهم الذين تم اعتقالهم لفترات طويلة. سوف يساعد التعديل الجديد على الإجراءات الجنائية على إضفاء الشرعية على اعتقال هؤلاء السجناء.

نشطاء حقوق الإنسان وغيرهم من نشطاء المجتمع المدنى. وُجهت تهم إلى هؤلاء النشطاء بـ«انتهاك الولاء للحاكم» و«محاولة تشويه سمعة المملكة»، فضلا على تهم أخرى.

إن عقوبات ارتكاب جرائم الإرهاب المعرفة حديثا، والتى ستصدر فى تاريخ لاحق وفقا لوزارة الداخلية، من المرجح أن تمثل أسلوبا تكتيكيا للتخويف أكثر من أن تكون تغييرا فعليا فى السياسة، فى ضوء تاريخ القضاة فى عدم الالتزام بقانون الإجراءات الجنائية الحالى. لقد فرضت مسودة قانون 2011 حدا أدنى للسجن يصل إلى خمس سنوات، عن الترويج للأفعال الإرهابية لفظيا أو خطيا؛ وعشر سنوات عن الانتماء إلى تنظيم «إرهابى»؛ وخمسة وعشرين عاما عن تأسيس أو قيادة أو تنظيم أو إدارة منظمة كهذه.

•••

أدى التشريع الجديد إلى خيبة أمل عميقة لدى نشطاء حقوق الإنسان وغيرهم من السعوديين الداعين للإصلاح من داخل المملكة وخارجها. وفى الوقت نفسه، يرى العديد من مواطنى المملكة أن قانون جرائم الإرهاب يساعد على تأمين المجتمع والحفاظ على القيم السعودية المحافظة. ولم تحظ حملات النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق قيادة المرأة للسيارات الكثير من الدعم الرئيسى من السعوديين فى الشوارع، الذين يشعرون بولاء قوى تجاه الملك.

وبالمثل، فإن التعديل الجديد الذى يشرِّع الاعتقال لأجل غير مسمى ربما لا ينظر إليه الكثيرون داخل المملكة بنظرة سلبية. فالسعوديون غالبا ما يربطون المعتقلين لفترات طويلة دون محاكمة بحملة «القاعدة» المميتة التى وقعت فى مختلف أنحاء البلاد خلال العقد الماضى. وهذا هو الحال على الرغم من أن النشطاء الذين لا يستخدمون العنف عانوا كذلك من الاحتجاز لفترات طويلة فى السجن دون تهمة أو محاكمة. ومن جانب آخر، فإن حملة حقوق الإنسان تكتسب زخما فى المملكة. وقد ساعدها قطاع الشباب الضخم فى البلاد الذين تربطهم وسائل التواصل الاجتماعى وآلاف الشباب السعوديين العائدين من الدراسات الجامعية فى الولايات المتحدة بعد أن أعادت واشنطن فتح الأبواب أمام الطلاب السعوديين فى عام 2005. ويرجح أن يكون لهذه العوامل أثر على الاستجابات الشعبية على ممارسات الحكومة السعودية تجاه دعوات الإصلاح فى المستقبل القريب.

•••

إن التطورات التشريعية هذا الشهر فى المملكة العربية السعودية هى شهادة على الضغوط الداخلية التى لا تزال العائلة الملكية تشعر بها بعد مرور ثلاث سنوات على «الربيع العربي». لقد أوضح الرئيس الأمريكى أوباما أن استقرار السعودية يمثل أولوية لسياسته فى الشرق الأوسط. وفى الوقت نفسه فإن خلط المملكة للحدود الفاصلة بين الإرهاب وحرية التعبير غير العنيف يبرز مرة أخرى الاختلافات المهمة حول الحقوق السياسية والاجتماعية والدينية بين الولايات المتحدة وشريكها الاستراتيجى. إن المناقشات الخاصة مع القيادة السعودية حول هذه القضية ــ والتى ربما تشمل مكافآت عن التقدم ــ لا تزال تمثل أهمية بالنسبة للمصالح الأمريكية ومصالح السعودية طويلة الأجل.

التعليقات