بعد فوز ترامب.. إلى أين ستتجه الحسابات الإسرائيلية فى غـــــــزة؟ - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 6:28 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد فوز ترامب.. إلى أين ستتجه الحسابات الإسرائيلية فى غـــــــزة؟

نشر فى : الخميس 7 نوفمبر 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الخميس 7 نوفمبر 2024 - 7:10 م


فى خضم معركته الانتخابية للعودة إلى البيت الأبيض، كان دونالد ترامب يؤكد فى جميع خطاباته بأنه أفضل صديق لإسرائيل، وخلال خطابه أمام المجلس الإسرائيلى الأمريكى فى واشنطن قال: سنجعل إسرائيل عظيمة مرة أخرى، كما صرح بأن هجوم 7 أكتوبر كان أحد أحلك الساعات فى تاريخ البشرية، لكنه دعا فى ذات الوقت ومنذ عدة أشهر إلى إنهاء سريع للحرب عندما وجه حديثه لنتنياهو بقوله: احصل على انتصارك وتجاوزه، لكن الحرب يجب أن تتوقف.
الملاحظ فى خطابات ترامب أنه لم يأتِ أبدًا على ذكر عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين، ولا الجرائم المروعة التى ترتكبها إسرائيل فى قطاع غزة منذ 404 أيام، كما انتقد مرارا وتكرارا مساعى الرئيس بايدن ونائبته هاريس لإيقاف الحرب، واتهم إدارتهما بعدم تقديم الدعم الكافى لإسرائيل، ولم يرد فى حديثه ما يشير إلى حل الدولتين تلميحا أو تصريحا، ولعل ذلك يذكرنا بأن دونالد ترامب خلال رئاسته الأولى كان عراب صفقة القرن والداعى لها.
• • •
هذه المؤشرات تدعونا الآن لمراجعة حسابات تلك الحرب، فالحسابات العسكرية الإسرائيلية اعتمدت على قيام إدارة الرئيس بايدن بإرسال ترسانات حربية كاملة إلى إسرائيل تتضمن الصواريخ والقنابل المتوسطة والثقيلة وذخائر الهجوم المباشر وقذائف المدفعية والدبابات، فضلاً عن الطائرات الهجومية F35 ومروحيات الأباتشى، بكميات هائلة حملتها عشرات من قوافل سفن الإمداد البحرى الأمريكى وقرابة 1500 رحلة لطائرات الشحن العسكرية العملاقة، وعلى ذات النسق والكم تدفقت شحنات الأسلحة من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها كما ونوعا.
من جهة أخرى، لم تحمل الحسابات الاقتصادية الإسرائيلية هموما كبيرة حيث بلغت حزم المساعدات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية العام الماضى لإسرائيل قرابة 25 مليار دولار كانت كفيلة بتخفيف الأعباء الاقتصادية للحرب من على كاهل الاقتصاد الإسرائيلى.
أما الحسابات السياسية الإسرائيلية فتستند باطمئنان الغطاء الدبلوماسى الأمريكى والأوروبى الكامل، والذى يتبارى فيه حلفاء إسرائيل بالتغطية والتبرير لجرائمها، فضلا عن الحماية الدبلوماسية الأمريكية الثابتة والدائمة لإسرائيل فى مجلس الأمن ومنظمات الأمم المتحدة وعلى الساحة الدولية.
الحسابات السياسية الإسرائيلية فى أوروبا اعتمدت على العديد من الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا كنموذج مماثل للولايات المتحدة، مع تصريح معظم المسئولين الأوروبيين وفى مقدمتهم المستشار الألمانى أولاف شولتس بقوله: أن ألمانيا ليس لديها تقييم بأن اتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية له ما يبرره، وهى لا تؤيد وجهة النظر التى تقول بذلك، ولذلك فهى ستواصل إمداد إسرائيل بالسلاح.
وعلى ذات النهج كانت وزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بيربوك، قد وقفت تخطب بصوت مدوٍ فى البوندستاج متقمصة دور محامى إسرائيل بقولها: إن لإسرائيل الحق فى قصف المناطق والمبانى المدنية إذا كان عناصر حماس يتواجدون بها، وحتى لو أدى ذلك لقصف السكان المدنيين.
فى خط موازٍ، استندت الحسابات السياسية الإسرائيلية على اطمئنان كامل لحالة الشلل المصابة بها دول وحكومات العالم العربى، والتى اقتصرت ردود أفعالها على تصريحات مهذبة تأسف وتندد بما يحدث فى قطاع غزة، وعلى جهود وساطة تقوم بها عدة دول راجية إسرائيل إيقاف الحرب، ودون أن تجرؤ أى دولة أو منظمة عربية أو دولية على اتخاذ قرار واحد يدين إسرائيل ويعاقبها على جرائمها.
• • •
الحسابات الإسرائيلية جميعا أفضت إلى تحرك الجيش الإسرائيلى منذ شهر فى صمت لتطبيق خطة الجنرالات بإصدار أوامر عسكرية للسكان المدنيين بمغادرة شمال قطاع غزة، وإعلان الشمال منطقة عسكرية مغلقة، وقطع إمدادات المياه والغذاء والدواء وعزل المنطقة تماما وحصارها، واعتبار الأفراد الذين لم يغادروا أهدافا عسكرية يتعين التعامل معهم والقضاء عليهم.
وبدأ التنفيذ فعلا بإغلاق إسرائيل المعابر الرئيسية إلى شمال قطاع غزة ومنع دخول أى مواد غذائية أو إمدادات إلى المنطقة التى يوجد بها 400 ألف فلسطينى يأبون المغادرة، عليه تقوم إسرائيل بتكثيف القصف الوحشى يوميا على جباليا وبيت لاهيا لدفعهم دفعا للنزوح والرحيل وفقاً للخطة التى تقضى عليهم إما بالموت جوعا أو الموت قصفا.
ولدعم الخطة أجبر جيش العدو الإسرائيلى برنامج الأغذية العالمى على إغلاق مقراته، كما تم إرسال أوامر إخلاء للمستشفيات الثلاث بالمنطقة وطواقمها الطبية، واستهداف محطات الكهرباء والمياه والمخابز بالقصف والتدمير، وقطع الاتصالات بالتوازى مع عمليات قصف وحشية يومية متوالية للأحياء والمنازل.
إن مخيم جباليا بشمال قطاع غزة الذى لا تتجاوز مساحته 15 كم2 يقاوم وحده منذ أكثر من شهر وحتى الآن فى مواجهة الفرقة 162 الإسرائيلية المدرعة واللواء 460 مدرع ولواء جفعاتى للقوات الخاصة بمساندة هجمات جوية عنيفة وقصف مدفعى مكثف بالتوازى مع حصار السكان ومنع الامدادات عنهم، وضرب الحصار على المخيم بقوة 111 دبابة لمنع وصول أى إسناد للمقاومة فى المخيم.
• • •
وهكذا يتبين أن كل الحسابات الإسرائيلية كانت صحيحة، فقد قرأت إسرائيل الموقف الدولى والعربى كاملاً وقيمته بدقة، ولأكثر من سنة كاملة لم تدفع إسرائيل أى ثمن عن جرائمها، إدراكا منها أنه لا رادع لها وأنها يمكن أن تتصرف كيفما تشاء وبمأمن من أى عقاب.
اليوم ومع ظهور نتيجة الانتخابات الأمريكية، تطرح تساؤلات عدة، أولها على أى نهج ستسير إدارة الرئيس بايدن فى تعاملها مع إسرائيل خلال الشهور المتبقية القادمة وحتى نقلها السلطة إلى الرئيس المنتخب ترامب؟ وفى ذات السياق هل ستستغل إسرائيل تلك الفترة الانتقالية فى القيام بعمليات تصعيدية نوعية بشأن الحرب فى غزة فى إطار سيناريو الإبادة الجماعية وتنفيذ مخطط التهجير؟
السؤال الثانى سيطرح نفسه إذا واصلت إسرائيل حربها الإجرامية خلال الشهور الثلاثة القادمة وما بعدها مع مقدم الشتاء ومعاناة مئات الآلاف من أهالى غزة من البرد القارس بعد تدمير بيوتهم وحياتهم، هل سيكون الرئيس ترامب قادرا على فرض رؤيته وإجبار إسرائيل على إيقاف الحرب؟ أم سيترك لها العنان لتدمير البقية الباقية من مقومات الحياة فى قطاع غزة حتى تحقق انتصارها وفق قول ترامب لنتنياهو: احصل على انتصارك.
أستاذ ومستشار الاقتصاد الدولى واللوجيستيات

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات