هل تُركَت سوريا لمصيرها أمام الجماعات المسلحة؟ بعد أن أُنهك الجيش السورى فى معارك داخلية منذ 2011؟ ومن قبلها فى لبنان لمدة تزيد على العشرين عامًا؟ هل روسيا المساندة للحكم السورى أصبحت لها أولويات أخرى مثل أوكرانيا؟ هل وبصراحة جاء وقت تغيير النظام لأنه فشل وتقسمت البلاد؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تدور هنا وهناك والباحثون والمتخصصون حيارى، فالحالة السورية قلما نجدها فى التاريخ، فإذا دافعت عن نظام الأسد فأنت موالٍ لصفقة إيران النووية وأصدقائها فى الولايات المتحدة من إدارة بايدن-أوباما الباحثة عن مصلحتها الاقتصادية، وإذا تحيزت للتنظيمات الدينية فقد أصبحت مواليًا لسياسة قطر وتركيا، وتساؤلات أخرى صعب إيجاد إجابة عنها.
الميليشيات التى يقودها أبومحمد الجولانى، رفيق الطريق لأبوبكر البغدادى مؤسس وقائد منظمة هيئة تحرير الشام أو القاعدة سابقًا دخلت إلى حلب قائلة: «خرجنا بالباصات (أتوبيسات) وعدنا بدباباتنا»، وذلك إشارة للمفاوضات الروسية عام 2016، عندما نجحت القوات الحكومية فى تحرير حلب واقتضى الاتفاق بأن الميليشيات تترك حلب وتذهب نحو إدلب، وتم نقلها إلى هناك بالأتوبيسات وها قد عادت فى غفلة من النظام ومعها المجتمع الدولى، وقد أتوا متلونين بثوب الحداثة لبث الطمأنينة لدى الشعب، تمامًا كما فعلت طلبان فى الأيام الأولى لاستلامها الحكم فى أفغانستان بعد أن تركها الأمريكان.
بينما يُكتب هذا المقال هذه الميليشيات على مقربة من حمص ومتجهة نحو دمشق فهل سیتم ذلك فعلًا؟ المعروف أن الشعب يدفع الثمن الباهظ لكل تلك المعارك والحروب خاصة الأقليات مثل المسيحيين والأكراد والشيعة وغيرهم فقد نزح 7 ملايين سورى وسورية نحو لبنان وغيرها، ثم نزح لبنانيو الجنوب نحو سوريا مع بدء المعارك الإسرائيلية وحزب الله، وهم الآن يعودون إلى النزوح ولسان حالهم يقول أين نذهب يا رب؟
المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة تطالب بحل سياسى فى سوريا بعيدًا عن العنف والحرب، والسؤال هو هذا الحوار السياسى سيكون مع من؟ مع الميليشيات المختلفة والمتصارعة؟ أم مع النظام المُنهك؟ وهل الحل السياسى فى سوريا سيرتبط بالحل السياسى فى لبنان والعكس صحيح؟ من الأفضل أن يكون الحل السياسى (سورى - سورى) وبروح إيجابية يسانده المجتمع الدولى بحيث كل الأطياف السورية ممثلة فى حوار وطنى جاد ومثمر.
لا نستطيع بأى حال من الأحوال الإغفال عن مسئولية النظام السورى بشأن الحال التى وصلت إليها البلاد اليوم، فقد اتسم النظام بالعناد دون المرونة السياسية واستخدم القوة المفرطة وتكريس الطائفية وغيرها من الأسباب التى أدت إلى فشله، فالأخبار القادمة من أحباء فى سوريا مخيفة، وقلوبنا مع الشعب السورى الذى دفع وما زال يدفع ثمنًا باهظًا لنظام حكم غابت فيه حقوق المواطنة والعدل، فالشعب السورى، وهو شقيق للشعب المصرى، له تاريخ طويل من المحبة والألفة، وهو شعب عظيم وقدم للحضارة العالمية والعربية إسهامات كبيرة لا نستطيع أن ننكرها، ونتمنى من كل القلب أن يقوم من كبوته هذه ويجد طريقه من جديد بين الدول، ومكانته فى وسط المجتمع الدولى.