بدأ الصراع السنى الشيعى يصعد ويتصاعد على خريطة الشرق الأوسط منذ اندلاع ثورة الإمام الخمينى فى إيران.. ومرت الثورة الإيرانية بفترة مراهقة سياسية لفترة طويلة مثل «مظاهرات الحجاج الإيرانيين» أو «احتجازهم للدبلوماسيين الأمريكيين فى سفارتهم بطهران وغيرها»، وهذه الفترة كبدت إيران الدولة والثورة خسائر فادحة.. حتى تولى زمام الحكم فى إيران رجال دولة لا شباب ثورة.. ثم غلب عليها بعد فكرة تصدير الثورة فكرة بناء إمبراطورية فارسية عظمى على حساب الدول العربية المحيطة متخذة من المذهب الشيعى وسيلة لجذب وربط الشيعة العرب وغير العرب بها وساعدها على ذلك ظلم وإقصاء بعض الحكام العرب للشيعة العرب الذين لم يجدوا صدرا حنونا لهم سوى إيران.
واليوم بلغ الصراع السنى الشيعى أشده بعد أن لعبت إيران منذ فترة على المكشوف «وأسست إمبراطورية كبرى تمتد من العراق لسوريا للبنان لليمن وهذا ليس عيب إيران بقدر ما هو عيب وضعف وهوان البلاد العربية التى طال نومها حتى لعبت بها كل الدول العظمى والإقليمية.
واليوم مع قطع العلاقات الخليجية الإيرانية وصل الصراع الشيعى السنى إلى فوهة بركان.. وهذا الصراع سيضر الجميع عربا وإيرانيين، سنة وشيعة، وسيفيد العدو المشترك لهما.. وسيضيع البقية الباقية من جهود وأموال ودماء وبلاد العرب والمسلمين.. والذين ينفخون فى نار هذا الصراع أول من سيحترقون به ويكتوون بناره.
ولما كان موضوع الصراع الشيعى السنى طويلا وله جذور وفروع متشعبة فقد أفردته فى ثلاث مقالات متتالية وضعتها فى نقاط محددة كل واحدة منها تسلم للأخرى للتيسير على القارئ.
أولا: تأملت الدنيا بآلامها وآمالها وأحزانها وأفراحها وصراعاتها وحروبها ومعاهداتها وسلامها فلم أجد أصدق من قول الخليفة الخامس «عمر بن عبدالعزيز» ما اختلف الناس فى دينهم ولا فى ربهم ولكن اختلفوا فى الدينار والدرهم» وأضفت إليها أيضا «المناصب وكراسى السلطة ومغانم الحكم والسياسة».
ثانيا: لم يكن الإسلام يعرف مصطلحى السنة والشيعة قبل الصراع السياسى بين على ومعاوية «رضى الله عنهما».. ولذلك فإنى أكرر أن أصل الخلاف بين السنة والشيعة فى أيامنا هذه وبدايته هو الخلاف على التاريخ وليس على الدين.. والغريب أن الجميع يصر على اجترار التاريخ الذى لا يفيد الاختلاف عليه شيئا.
ويمكننا هنا أن نكرر ثانية أن الصراع الحديث بين السنة والشيعة فى كل مكان هو صراع على النفوذ والسلطة والمال.. وليس صراعا على القرآن والسنة.. وهو صراع على السياسة وليس على الدين.. فأيهما يحكم ويسيطر ويقود البلاد ويدير العباد ويجعلهم طوع أمره دون اهتمام من أيهما بمقاصد الشريعة العليا ولا مراميها الكلية.. وكل فصيل منهما يلجأ للدين لشحن الأنصار ودغدغة العواطف وتأجيج الصراع وجلب الأتباع.. فمعظم الأموال التى تنفق فى هذه الصراعات هى أموال الزكوات والصدقات والأخماس التى تجمع من عوام المسلمين وتنفق فى أذى مسلمين آخرين.. وقتل مسلمين آخرين من المذهب الآخر أو الطائفة الأخرى وكل ذلك حرام فى حرام.
ثالثا: بداية الصراع السنى الشيعى كان صراعا سياسيا على الخلافة بين الصحابيين الكريمين «على ومعاوية» وكان على بن أبى طالب أولى بالخلافة من معاوية وكان كل منهما يرى نفسه جديرا بالحكم والخلافة من الآخر.. ولكن هذا الصراع السياسى تحول إلى صراع دينى مع مرور الأيام عندما حاول كل فريق من الأتباع أن يصبغ أحقيته بالحكم بأمور دينية ظلت تتوسع وتكبر باتساع دائرة الصراع والحرب بين الأمويين من جهة والعلويين من جهة أخرى.
ومما يدل على أن الصراع كان سياسيا محضا أن العباسيين وهم من آل بيت النبى ومن أبناء عمومته اضطهدوا العلويين أكثر من اضطهاد الأمويين لهم ومنعوهم من الاقتراب من السلطة أو الزحف إليها على الإطلاق.
والأغرب من ذلك كله أن رأى السنة جميعا ومنذ ذلك الصراع وحتى اليوم كان مساندا ومؤازرا لعلى بن أبى طالب ويراه الأحق بالخلافة ورغم ذلك يوجه بعض الشيعة سهام العداء والكراهية لهم دون أدنى مبرر.
رابعا: كل الأطراف الشيعية المتصارعة لا تمثل فى الحقيقة نهج على بن أبى طالب ولا نهج الحسن والحسين ولا آل البيت «رضى الله عنهم» وأنهم جميعا أبعد ما يكونوا عن أخلاق بيت رسول الله«صلى الله عليه وسلم» وأن تذرعهم بالانتساب إليهم سلوكا وأخلاقا هو عين الزور والبهتان.
وأن معظم الأطراف السنية المتصارعة لا تمثل أبدا نهج أبى بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو عثمان بن عفان أو أحدا من الصحب الكرام رغم إدعاء الكثير منهم الانتساب إلى هؤلاء.
خامسا: ليست هناك دولة سنية ولا شيعية معاصرة تمثل حقيقة أبا بكر وعمر وعثمان أو تمثل على بن أبى طالب أو الحسن أو الحسين.. ومن أراد التأكد من ذلك عليه أن يراجع سيرة هؤلاء القوم ويراجع سيرة هذه الدول المتصدرة للصراع السنى والشيعى على السواء.
سادسا: داعش والقاعدة وجبهة النصرة وبوكوحرام ومن على شاكلتهم ممن يدعون أنهم من أهل السنة هم فى الحقيقة ليسوا من أهل السنة ولكنهم أقرب إلى الخوارج فكرا وسلوكا.. تكفيرا وتفجيرا.. وأنهم أكثر من ألحق الضرر بالإسلام والسنة.. وأنهم كـ«الدبة التى قتلت صاحبها وهى تريد الذب عنه».
وأوقن جازما أن أكثر الشيعة يدركون ذلك جيدا.. ولكنهم يستخدمون ورقة هذه الجماعات لدحض خصومهم وبلوغ مراميهم السياسية ويفعلون ذلك لرمى السنة جميعا بما ليس فيهم، رغم إدراكهم أن معظم أهل السنة يكرهون ويمقتون داعش والقاعدة والخوارج أكثر منهم، وقلة من الشيعة هى التى تحارب داعش وتفضحها خدمة للدين فى المقام الأول بعيدا عن الصراعات المذهبية وصراعات الكراسى.
سابعا: أن الميليشيات الشيعية فى العراق أو الشام مثل ميلشيا الصدر أو ميليشيا بدر أو عصائب الحق أو ميليشيات الحشد الشعبى لا تقل بعدا عن الإسلام من داعش وهى تشبهها فى القتل بالاسم والمذهب وذبح الخصوم وحرق القرى واغتصاب النساء وتفجير مساجد المخالفين لهم فى المذهب والتطهير العرقى إلى غير ذلك من الجرائم التى لو علمها الإمام على بن أبى طالب أو الإمام الحسن والحسين «رضى الله عنهم» لفعلوا بهم الأفاعيل ولتبرأوا منهم ومن أفعالهم.
ثامنا: صدق الشيخ محمد الغزالى حينما قال ما معناه: كان الخلاف بين السنة والشيعة منحصرا فى موضوع الخلافة وأيهم أحق بها «على بن أبى طالب» أم «معاوية بن أبى سفيان ».. وقد ذهبت الخلافة منذ زمن طويل وقد لا تعود قريبا.. وكان الخلاف الآخر على الإمام الغائب وهو غائب حتى الآن فعندما يعود يكون لكل حادث حديث.
وللحديث بقية فأرجو المتابعة لتكوين فكرة متكاملة عن الموضوع.