إلى أين نحن ذاهبون؟
للأسف الشديد يبدو ــ وأتمنى أن أكون مخطئا ــ أننا ذاهبون إلى مجهول لا يعلمه إلا الله.. «ذاهبون فى داهية» كما يقول البسطاء.
إذا لم يدرك السادة أولو الأمر الواقع المؤلم الذى أفرز الجريمة البغيضة التى وقعت بحق بعض المواطنين الأقباط فى نجع حمادى فجر الخميس الماضى، فإن الداهية تكون قد اكتملت.
طريقة التفكير الحكومية أدمنت منذ زمن بعيد علاج كثير من المشكلات الخطيرة بالأسبرين وسائر أنواع المسكنات، وفى بعض الأحوال تترك المشكلات كما هى، على أمل أن يتكفل القدر أو الزمن أو معجزة ما بعلاجها.. هذه الطريقة تنجح فى بعض الأحيان، لكنها تقود إلى كوارث لا يعلمها إلا الله حينما يتم تطبيقها على الملف الملتهب تحت الرماد بين المسلمين والأقباط.
الحكومة تضحك علينا وعلى العالم أجمع عندما ترفع شعار «الإنكار» وتمارس سياسة الإنكار، وتقسم بأغلظ الأيمان أنه لا وجود لمشكلة طائفية.. تعطى أوامر لشيخ الأزهر والبابا شنودة أن يكثرا من القبلات والأحضان وإصدار البيانات الباردة والميتة وغير الصحيحة، عن أن «الجو بديع والدنيا ربيع» وعلى الجميع أن «يقفل على كل المواضيع».
لكن الحكومة تضحك على نفسها حينما تتصور أن الآخرين يصدقونها.. الرسالة الإعلامية الرسمية المتهافتة لا تصل لمستهدفيها، وعندما تصلهم لا يقتنعون بها، والنتيجة أن النار تستعر فى الأسفل، وبدأت تخرج منذ زمن وأمسكت بجلاليب كثيرة، والحكومة لا تصدق إلا عندما تمسك بجلبابها شخصيا.
الاحتقان الطائفى كبير، ومن ينكر ذلك أعمى، أو متآمر على مستقبل هذا البلد.
لا أتحدث عن شىء لا أعرفه.. نشأت فى قرية ربع سكانها أقباط.. العلاقات كانت سمن على عسل فى مجملها.. لكن الزمان اختلف، والثوابت اهتزت وتكاد تختفى.
وبعيدا عن التفاصيل فالوزر الأكبر تتحمله الحكومة ولا أحد غيرها.
هى أجرمت حينما تركت كل شىء وركزت على حماية النظام.. تركت اللصوص الصغار والبلطجية يهددون الأمن العام فى الشارع، تركت الحيتان الكبيرة تجرف الاقتصاد القومى، تركت فضائيات ودعاة ووسائل إعلام كثيرة تصب الزيت على النيران الطائفية، تركت كل شىء واهتمت فقط بتأمين نفسها.
لم تدرك الحكومة أنها لا تدمر فقط المجتمع المدنى والسياسى بل تدمر نفسها أيضا. دمرت الأحزاب ففوجئت بالتيارات الدينية منافسا وحيدا لها. دمرت النقابات والمجتمع المدنى فلم تحصد إلا المافيا والعصابات والبلطجية.
باختصار شديد فإن الحكومة ربما للأسف الشديد لن تجد مجتمعا متماسكا تحكمه عندما تكتشف أن «سياسة التطنيش» التى تمارسها بمهارة شديدة، لم تعد تعمل، وأن النيران بدأت تشتعل تحت أقدامها.