للأسف قررت إيطاليا سحب سفيرها من القاهرة، وهو تطور خطير، يعنى أن العلاقات تتجه للأسوأ ليس فقط بين القاهرة وروما، ولكن ربما بين القاهرة وعواصم أوروبية كثيرة.
وإلى أن نعرف حقيقة ما حدث لباحث الدكتوراة الإيطالى جوليو ريجينى، ومن الذى قتله بهذه الصورة الوحشية، فإن ما ينبغى أن تهتم به كل الدوائر والجهات والمؤسسات فى مصر هو الطريقة أو الذهنية التى تعاملت بها الحكومة المصرية، خصوصا وزارة الداخلية مع الأزمة.
إن آجلا أو عاجلا سوف ينتهى ملف ريجينى وسيتم إغلاقه إيجابا أو سلبا، لكن ما ينبغى فتحه فورا هو النقاش الجدى لإيجاد طريقة تفكير جديدة وعلمية ومحترفة حتى لا تتوالى الكوارث لا قدر الله.
مرة أخرى لا نريد الدخول مجددا فى جدل حول ما حدث بشأن كيية التعامل ــ خصوصا من وزارة الداخلية ــ بشأن حادث مقتل ريجينى.
فطريقة التفكير والتعامل التى انتهت باستدعاء إيطاليا لسفيرها تكشف بوضوح أن هناك مشكلة كبرى ينبغى العمل على حلها وتغييرها، حتى لا تتكرر فى أزمات أخرى مماثلة فى المستقبل لا قدر الله.
منذ بداية الأزمة لم تكن هناك جدية فى التعامل مع الأزمة، ولا تقدير من أى مسئول لخطورتها. لم يقدر البعض مشكلة اختفاء مواطن أوروبى من دولة بها أحزاب وصحافة مستقلة ومجتمع مدنى قوى، والأهم انتخابات محلية بها تنافس قوى وضرب تحت الحزام، والأهم وخلف هذا وذاك برلمان أوروبى لديه اعتراضات على بعض الممارسات فى مصر.
طوال مرحلة الأزمة كانت البيانات والتسريبات بدائية ولا تكفى لإقناع طفل. وحتى إذا كانت الحكومة المصرية بريئة ــ ونتمنى ان تكون كذلك بالفعل ــ فإن طريقة التعامل جعلت البعض يشك فى تورطها.
ظهر يوم الجمعة الماضى كنت فى قصر الاتحادية وقابلت بعض المسئولين المصريين على هامش توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين مصر والسعودية بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى وعاهل السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز.
سألتهم حول تداعيات قضية ريجينى، فكانت الإجابة هى توجيه اللوم لبعض وسائل الإعلام المصرية لأنها من وجهة نظرهم متهمة لمسارعتها فى انتقاد الشرطة.
قلت لصاحب هذا الرأى ــ الذى أكن له كل الاحترام ــ إن الإعلام لم يخترع القصة، وإيطاليا تريد أن تعرف الحقيقة، ونحن لم نقدمها حتى الآن، وبالتالى، وحتى لو أخطأت بعض وسائل الإعلام، فإن أصل المشكلة هو حادث القتل البشع وليس أى شىء آخر.
الخطورة من وجهة نظرى هى طريقة التفكير التى تركز على فروع المشكلة وتترك جوهرها للأعراض. وهذا ما حدث بالضبط فى حادث أمين الشرطة وأطباء المطرية، حينما تم لوم بعض السياسيين والنشطاء الذين شاركوا فى احتجاجات الأطباء بقصر العينى، بدلا من توجيه اللوم الحقيقى لأمناء الشرطة المتهمين، أو القيادات التى لم تستطع احتواء الموقف من البداية بدلا من تركه يتفاهم.
مرة أخرى الخطر هو ان تستمر هذه الطريقة من التفكير فى معالجة كل ما نواجهه من مشاكل مستقبلا، فى هذه الحالة علينا أن نضع أيديا فوق قلوبنا خشية مما هو آت.
نحن لا نعيش بمفردنا فى هذه المنطقة أو العالم. هناك إعلام يتابعنا ويراقبنا، وهناك رأى عام ضاغط هنا وهناك، وبالتالى فإن الدرس المهم الذى ينبغى أن يخرج به أى عاقل يحب وطنه، أن نهجر هذا المنهج فى التفكير الذى يوشك أن يوردنا فى الكثير من المهالك.. فهل نتعظ، أم تأخذنا العزة بالإثم؟!