نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتب الاقتصادى جوزيف ستيجلتز يتناول فيه تحليل الضرائب التى يسعى المجتمع الدولى فرضها على الشركات متعددة الجنسيات.. نعرض منه ما يلى.
يبدو أن المجتمع الدولى يتحرك باتجاه ما يعتبره كثيرون اتفاقية تاريخية لوضع حد أدنى عالمى لمعدل الضريبة على الشركات المتعددة الجنسيات. إنه الوقت المناسب أخيرا، لكن هذا قد لا يكون كافيا.
بموجب القواعد القائمة، تستطيع الشركات أن تتهرب من سداد نصيبها العادل من الضرائب عن طريق تسجيل دخلها فى مناطق اختصاص منخفضة الضرائب. فى بعض الحالات، إذا كان القانون لا يسمح لها بالتظاهر بأن القدر الكافى من دخلها ينشأ فى ملاذ ضريبى ما، فإنها تلجأ إلى نقل بعض أجزاء من أعمالها إلى مثل مناطق الاختصاص هذه.
من هذا المنظور، يُـعَـد التوصل إلى اتفاق على إنشاء حد أدنى للضريبة العالمية بنسبة 15% خطوة كبيرة إلى الأمام. لكن الشيطان يكمن فى التفاصيل. الواقع أن متوسط المعدل الرسمى الحالى أعلى بدرجة كبيرة. وعلى هذا فمن الممكن أن يصبح الحد الأدنى العالمى هو المعدل الأقصى. وقد تحقق المبادرة التى بدأت كمحاولة لإجبار الشركات المتعددة الجنسيات على المساهمة بنصيبها العادل من الضرائب إيرادات إضافية محدودة للغاية، أقل كثيرا من مبلغ الـ 240 مليار دولار سنويا والتى لا تُـدفَـع بالكامل. وتشير بعض التقديرات إلى أن البلدان النامية والأسواق الناشئة قد ترى أيضا جزءا صغيرا من هذه الإيرادات.
لا يتوقف منع هذه النتيجة على تجنب التقارب العالمى نزولا فحسب، بل يعتمد أيضا على ضمان تعريف واسع وشامل لأرباح الشركات، مثل التعريف الذى يحد من خصم التكاليف المرتبطة بالنفقات الرأسمالية بالإضافة إلى الفائدة، بالإضافة إلى الخسائر قبل الدخول. وربما يكون من الأفضل الاتفاق على معيار مُـحاسَـبى قياسى حتى لا تحل أساليب التهرب الضريبى الجديدة محل الأساليب القديمة.
من المسائل الـمُـعضِـلة بشكل خاص فى المقترحات التى تقدمت بها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية ما يسمى الركيزة الأولى، التى كان المقصود منها معالجة حقوق فرض الضرائب، والتى لا تنطبق إلا على الشركات العالمية الأكبر حجما. ومن الواضح أن النظام القديم لتسعير التحويل لم يكن على مستوى التحديات التى تفرضها عولمة القرن الحادى والعشرين؛ فقد تعلمت الشركات المتعددة الجنسيات كيف تتلاعب بالنظام لتسجيل أرباحها فى مناطق اختصاص منخفضة الضرائب.
قد تتأثر البلدان النامية والمتقدمة بشكل مختلف اعتمادا على الصيغة المستخدمة: التركيز على المبيعات من شأنه أن يلحق الأذى بالبلدان النامية المنتجة للسلع المصنعة، لكنه قد يساعد فى معالجة بعض أوجه عدم المساواة المرتبطة بالعمالقة الرقمية. وفى ما يتصل بشركات التكنولوجيا الضخمة، يجب أن تعكس قيمة المبيعات قيمة البيانات التى تكتنزها هذه الشركات، والتى تشكل أهمية بالغة لنموذج أعمالها. وقد لا تعمل ذات الصيغة فى كل الصناعات.
مع ذلك، ينبغى لنا أن نعترف بالتقدم المحرز فى إطار المقترحات الحالية، بما فى ذلك الابتعاد عن اختبار «الحضور المادى» لفرض الضرائب، وهو أمر لا معنى له فى العصر الرقمى.
يعتبر بعض من يقومون بالمراقبة أن «الركيزة الأولى» دعم للحد الأدنى من الضرائب، وبالتالى فإنهم لا يهتمون بغياب المبادئ الاقتصادية التى توجه بناءها. إن جزءا صغيرا فقط من الأرباح التى تتجاوز عتبة بعينها يمكن تخصيصه ــ وهذا يعنى ضمنا أن الحصة الإجمالية فى الأرباح التى سيجرى تخصيصها صغيرة حقا. ولكن مع السماح للشركات بخصم كل مدخلات الإنتاج، بما فى ذلك رأس المال، تُـعَـد ضريبة دخل الشركات فى حقيقة الأمر ضريبة على الريع أو الأرباح الصافية، ويجب أن تكون كل هذه الأرباح الصافية قابلة للتخصيص. وبالتالى فإن مطالبة بعض البلدان النامية بإخضاع حصة أكبر من أرباح الشركات لإعادة التخصيص تُـصبِـح أكثر من معقولة.
لا يخلو الأمر من جوانب أخرى مزعجة فى هذه المقترحات. يتعلق أحد هذه الجوانب بتسوية المنازعات، والتى من الواضح أنها من غير الممكن أن تُـدار باستخدام أشكال التحكيم السائدة الآن فى اتفاقيات الاستثمار؛ ولا ينبغى أن تُـتـرَك لبلد الشركة «الأصلى». تتلخص الإجابة الصحيحة فى إنشاء محكمة ضريبية عالمية تتمتع بالشفافية، والمعايير، والإجراءات المتوقعة من عملية قضائية فى القرن الحادى والعشرين.
تتعلق إشكالية أخرى للإصلاحات المقترحة بحظر «الإجراءات الأحادية»، والمقصود منها ظاهريا الحد من انتشار الضرائب الرقمية. لكن العتبة المقترحة بمقدار 20 مليار دولار تترك العديد من الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى خارج نطاق الركيزة الأولى، ومن يدرى ما هى الثغرات التى قد يجدها محامو ومحاميات الضرائب الأذكياء؟ نظرا للمخاطر التى تهدد القاعدة الضريبية لأى بلد، فربما يضطر صناع السياسات إلى اللجوء إلى تدابير أحادية الجانب.
من غير المنطقى أن تتنازل البلدان عن أى من حقوقها الضريبية لصالح الركيزة الأولى المحدودة التعسفية. ولا تتناسب الالتزامات المطلوبة مع الفوائد المقدمة.
الواقع أن قادة مجموعة العشرين يُـحسِـنون صنعا بالموافقة على حد أدنى للضريبة العالمية بما لا يقل عن 15%. وبصرف النظر عن المعدل النهائى الذى يشكل الحد الأدنى لـ 139 دولة تتفاوض حاليا على هذا الإصلاح، سيكون من الأفضل أن تفرض بعض الدول على الأقل معدلا أعلى، سواء من جانب واحد أو كمجموعة.
من الأهمية بمكان معالجة مجموعة من القضايا التفصيلية المطلوبة للتوصل إلى اتفاق ضريبى عالمى، ومن المهم بشكل خاص التعامل مع البلدان النامية والأسواق الناشئة، التى لم تكن أصواتها دوما مسموعة بوضوح كما ينبغى لها.
فى المقام الأول من الأهمية، سيكون من الضرورى إعادة النظر فى القضية فى غضون خمس سنوات، وليس سبع سنوات، كما هو مقترح حاليا. وإذا لم تزد الإيرادات الضريبية، بما يتفق مع الوعود، وإذا فشلت الأسواق النامية والناشئة فى اكتناز حصة أكبر فى هذه الإيرادات، فسوف يكون من الواجب زيادة الحد الأدنى للضريبة وإعادة ضبط صيغ تخصيص «الحقوق الضريبية».
النص الأصلى