روسيا فى الشرق الأوسط.. تحدٍ استراتيجى لكل من إسرائيل والولايات المتحدة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روسيا فى الشرق الأوسط.. تحدٍ استراتيجى لكل من إسرائيل والولايات المتحدة

نشر فى : الجمعة 9 يوليه 2021 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 9 يوليه 2021 - 7:25 م

نشر The Wilson Center تقريرا عن دور روسيا فى الشرق الأوسط والعوائق التى تقف أمام تقدم هذا الدور، وأخيرا نظرة إسرائيل والولايات المتحدة لهذا الدور الروسى فى المنطقة.. نعرض منه ما يلى.
لم تعد الولايات المتحدة القوة المهيمنة فى الشرق الأوسط. فلقد أدى تقليص دورها فى المنطقة إلى بروز قوى إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا وروسيا، بالإضافة إلى التحركات الاقتصادية من جانب الصين. ومع ذلك، مازالت تهدف الولايات المتحدة إلى الحفاظ على مصالحها الأساسية هناك المتمثلة في: الاستقرار الإقليمى، مكافحة الإرهاب، منع انتشار الأسلحة النووية، أمن الطاقة وأمن إسرائيل. وفى ظل التحول العميق الجارى فى الشرق الأوسط، لكل من الصين وروسيا والولايات المتحدة أهداف وقدرات متباينة كل حسب سياساتها الخاصة تجاه المنطقة.
مثلا روسيا تعد جهة فاعلة عسكريا ودبلوماسيا فى الشرق الأوسط. فقبل عام 2015، تدخلت فى الحرب الأهلية السورية، وظلت تبحث عن منافذ إضافية لنفوذها العسكرى والاقتصادى فى المنطقة. أصبحت روسيا الآن طرفا بارزًا فى سوريا وليبيا، وشريكًا لإيران ومصر، وتشارك فى الحوار مع دول الخليج (خاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية)، وإسرائيل، والحكومة الأفغانية، وطالبان، والفصائل الفلسطينية، والعديد من الكيانات السياسية الأخرى. روسيا أيضا لها دور واضح فى اليمن، ولديها مجموعة من المصالح فى شمال أفريقيا كما تحاول استغلال الصراعات الداخلية داخل البلدان كإسفين لتعميق نفوذها الإقليمى. باختصار، يقدم الشرق الأوسط لروسيا العديد من الفرص لإحكام السيطرة عليه.
ومع ذلك، فإن موسكو بعيدة عن أن تكون قادرة على إنشاء نظام شرق أوسطى من تصميمها الخاص. فالتعاون الأمريكى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط مستمر، وحتى الآن لم تنافسه روسيا على الرغم من أن اتساع نطاق الأنشطة الروسية يؤثر بالتأكيد على مصالح الدولتين المتعاونتين. بعبارة أخرى، وجود روسيا، مع لعب الصين دورًا فى الخلفية، يؤدى إلى تعقيد الوضع فى الشرق الأوسط.
***
حتى الآن حققت روسيا مكاسب واضحة فى المنطقة. فوجودها العسكرى الموسع فى الشرق الأوسط (منذ 2015) مستدام وفعال. كما تتمتع بعلاقات دبلوماسية هامة مع دول المنطقة ومع الأطراف المتصارعة فى العديد من النزاعات، وذلك كله جعل لروسيا نفوذا ملموسًا من أفغانستان وجنوب القوقاز إلى شمال أفريقيا. أما بالنسبة للشراكة بين روسيا والصين فهى لا ترقى حتى الآن إلى كونها محورًا قويًا فى الشرق الأوسط، ولكن قد تتعرض موسكو وبكين لضغوط تدفعهما للتعاون بشكل قوى فى إطار ديناميكيات المنافسة بين القوى العظمى.
إلا أنه يقف أمام روسيا عوائق عديدة تعرقل تقدمها فى الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن روسيا حققت أفضل نجاحاتها العسكرية فى سوريا وليبيا، وكافحت، عسكريًا ودبلوماسيًا، للتعامل مع تحركات تركيا، من أذربيجان إلى سوريا إلى ليبيا، نجد أن الاقتصاد الروسى يعانى من تدهور يجعل التوسع الدراماتيكى لنشاطها العسكرى فى المنطقة بعيد الاحتمال. كما لا يمكن لروسيا منافسة النفوذ الدبلوماسى والعسكرى والاقتصادى للولايات المتحدة فى المنطقة. وحتى إذا قررت الصين التحرك بقوة أكبر فى الشرق الأوسط، فستجلب مجموعة من الموارد والقدرات التى لا تمتلكها روسيا.
روسيا أيضا تفتقر لبعض سمات القوة العظمى؛ فإذا كانت القوات العسكرية الروسية (بما فى ذلك القدرات الإلكترونية والاستخباراتية) تجعل روسيا قوة أجنبية كبيرة ومتطورة فى الشرق الأوسط. إلا أن نفوذها الاقتصادى محدود للغاية، وليس لديها أيديولوجية على قدم المساواة مع الصين لتقدمها فى الشرق الأوسط. نفوذها الاقتصادى قصير الأجل وغالبًا ما يكون انتهازيا نفعيا بدلا من استراتيجية كبرى مصاغة بعناية. بجانب ذلك تواجه روسيا بعض الاضطرابات وسط أزمة كوفيد ــ19 ووضعًا مزعزعا للاستقرار فى حالة تغيير حكومة جارتها وحليفتها المقربة بيلاروسيا. بالطبع لن يؤدى أى من هذا إلى انسحاب روسيا من المنطقة، لكنه قد يمنع روسيا من زيادة وجودها. لهذا السبب، شعرت بكين وموسكو بالارتياح لقرارات إدارة ترامب بشأن سحب القوات وتقليل الوجود الأمريكى فى الشرق الأوسط.
***
بالنسبة للولايات المتحدة، التواجد الروسى فى الشرق الأوسط، بالنظر إلى مستوياته الحالية، ليس أمرًا لا يطاق. كما لا يتعارض مع المصالح الأمريكية الأساسية فى المنطقة؛ لكنه يعقد إنجاز هذه المصالح ويضر بها لأن السياسة الروسية مدفوعة من الأساس بهدف الحد من نفوذ الولايات المتحدة والإضرار بمكانتها فى المنطقة. باختصار، تنظر الولايات المتحدة لتصرفات روسيا فى الشرق الأوسط من خلال منظور منافسة القوى العظمى، مع إدخال الصين فى المعادلة كلما اقتضى الأمر.
أما إسرائيل فنجدها تواجه مفارقة متمثلة فى الرغبة فى الحد من التقليل من المشاركة العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط بينما تحتاج فى الوقت نفسه إلى الارتباط مع روسيا، حتى لو كان ذلك فقط لمنع روسيا من تقييد حرية إسرائيل فى تحركاتها فى الشرق الأوسط، كسوريا وأماكن أخرى. إذن الاستراتيجية الإسرائيلية لا تنبع من منافسة القوى العظمى لكنها تستند إلى مقتضيات إدارة المواقف وتحقيق المصالح. لكن إسرائيل تميز بين ارتباطها مع روسيا، التى بالمناسبة لديها خلافات استراتيجية جدية معها، وتحالفها الاستراتيجى مع الولايات المتحدة. واشنطن فى بعض الأحيان تسيء فهم الاستراتيجية الإسرائيلية وذلك عندما تساعد إسرائيل روسيا فى إبراز قوتها فى الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة.
لذلك سيكون على الولايات المتحدة وإسرائيل استخدام علاقتهما الوثيقة فى التواصل مع بعضهما البعض وفى تنسيق سياساتهما حول دور روسيا فى الشرق الأوسط. التنسيق والتواصل، ربما من خلال مجموعة عمل مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أمر بالغ الأهمية لأن روسيا تحتل مكانًا فى الاستراتيجية الأمريكية مختلفا عن مكانها فى الاستراتيجية الإسرائيلية.
***
تمثل روسيا تحديًا ذا أولوية عالية فى الأمن القومى الإسرائيلى من منطلق أن روسيا تفرض مجموعة من المخاوف العملياتية والاستراتيجية أمام حرية إسرائيل فى قيامها ببعض العمليات داخل سوريا وعلاقات موسكو الاستراتيجية وتعاونها مع إيران. كما سمح تواصل إسرائيل مع روسيا فى إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية داخل سوريا. كل ذلك يجعل إسرائيل فى حاجة إلى الحفاظ على انخراطها مع روسيا لتأمين هذه الأهداف.
أما مخاوف الولايات المتحدة بشأن روسيا فهى داخلية وعالمية، متجذرة فى تدخل روسيا وهجماتها على السياسة الداخلية للولايات المتحدة، وتدخلاتها الإلكترونية، وأعمالها المستمرة المزعزعة للاستقرار فى أوروبا، والعدوان على جيرانها. باختصار، تنظر واشنطن بشكل متزايد إلى روسيا كمنافس عالمى، بما فى ذلك فى الشرق الأوسط.
نخلص من ذلك كله أن روسيا ليست قوية بما يكفى لعرقلة وتعطيل التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلا أنها دعمت وجودها ونفوذها فى الدول غير المستقرة فى المنطقة كسوريا وليبيا. بوتين يواجه مشاكل متزايدة فى الداخل، لكنه لن ينسحب من الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن روسيا تفتقر إلى الخيارات الجيوسياسية طويلة المدى التى تمتلكها الصين، لكنها أكثر انخراطًا فى المنطقة وتبحث باستمرار عن طرق لتوسيع وجودها وتعظيم نفوذها. واضح أن موسكو تسعى للحصول على مقعد على طاولة مناقشة المشاكل الإقليمية الرئيسية.
فى الأخير، يحتاج الشرق الأوسط إلى فهم أنه مكان للتنافس الإقليمى ومنافسة القوى العظمى. فالوجود الصينى أيضا عامل حاسم على المدى الطويل، يعمل على دمج أجزاء من الشرق الأوسط، من أفغانستان إلى إيران إلى القرن الأفريقى، فى إطار مبادرة الحزام والطريق. وبسبب الشراكة المتنامية بين الصين وروسيا واستمرار الوجود الأمريكى الواسع النطاق فى المنطقة، لا يمكن أن يقتصر الحوار الأمريكى الإسرائيلى حول الشرق الأوسط على الشرق الأوسط فحسب. بل يجب أن يركز أيضا على الأجندات العالمية لكل من روسيا والصين.

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد

النص الأصلى

التعليقات