المعلمة توحة نموذج نمطى للمكانة الشعبية التى ظهرت فى ثقافتنا أثناء سنوات الخمسينيات، هى تعادل الرجل الفتوة، أو القبضاى فى هذه الثقافة، كل منهما يمتلك القوة، والفظاظة، والثراء، والقدرة على مغالبة الخصم، وتعدد مرات الزواج، هذه المرأة جاءت إلينا من الإذاعة خاصة فى عام 1954، حين جسدت سميحة أيوب شخصية سمارة فى مسلسل إذاعى كتبه عبد المنعم السباعى، وما لبث المسلسل أن تحول إلى فيلم ناجح شارك بالتمثيل فيه كبار النجوم، وعلى رأسهم تحية كاريوكا التى انتقلت من أداء شخصية الراقصة الرشيقة إلى سيدة العصابات التى تعيش فى الأحياء الشعبية، افتتن بها الرجال ويتقاتلون من أجلها ويسعون إلى امتلاكها بالأموال والزواج، وقد منح المخرجون لهذه الممثلة الكثير من الأدوار فى أفلام أخرى منها «المعلمة، عفريت سمارة، بائعة الورد» وغيرها، قد حاول الممثل، المؤلف، المخرج محمود إسماعيل أن يضيف شخصية جديدة باسم «توحة» تجمع كافة صفات تلك المرأة المعلمة أو الفتوة، لكن الدور ذهب إلى النجمة الجديدة نسبيا هند رستم، فخلعت ثوب الإغراء لترتدى الجلباب النسوى الشعبى، فى فيلم أخرجه حسن الصيفى الذى سبق أن أخرج فيلم سمارة، تحول الأمر إلى ظاهرة ليس لها سابق، أتذكر أن إحدى دور النشر قامت بطباعة المسلسل الإذاعى «توحة» عليه من الخارج صورة للمعلمة توحة بزيها الشعبى، ويبدو أن تسمية «فتى أحلامى» قد أضيف إليها تسمية أخرى هى معلمة أحلامى، بمعنى أن الناس سمعت توحة فى الإذاعة وشاهدتها فى الفيلم، وقرأتها فى كتاب على غرار قراءة الروايات الأدبية، لا شك أن كل هذه ثقافة تداخلت فى بعضها البعض.
تعالوا نتعرف على «توحه»، النموذج المنشود هى امرأة بلا أهل، ليس لها سوى العمال الذين يشتغلون عندها فى الفرن، يخدمونها بولاء وطاعة، ويحوطونها للدفاع عنها، تستعين بهم بامتلاك الرجال الذين تتزوجهم ثم تطلقهم بسهولة، الرجال يدخلون بسهولة إلى حياتها، وهى سريعة الغضب بلا سبب، ورأيناها تتزوج أكثر من رجل كلهم من الفحول، وكان من المفروض أن تظل على هذا الحال حتى مرحلة متقدمة من حياتها إلى أن جاء رشاد وأخته للإقامة فى المنطقة التى يقع فيها مسكن وفرن توحة، رشاد هذا أعزب، بكر لم يسبق له الزواج متدين، متحفظ، كما أنه قوى الجسد رغم كل ذلك فهو يمتلك نفسه عند الغضب لا يستخدم عضلاته فى المواجهة، ولكنه يتحلى بالصبر وعزة النفس، وعلى طريقة النساء الشهوانيات تقع توحة فى غرام رشاد وتسعى إلى امتلاكه بكافة المغريات، وكلما ارتد عنها انجذبت إليه أكثر، حتى اضطرت إلى تدبير مؤامرات مزعجة ضده، فتدفع بالمعلم فجلة إلى إغواء أخته صفاء كى يتزوجها من وراء رغبة أخيها، فيما بعد تدفع رجالها إلى أن يدهسوا رشاد، فيدخل المستشفى، وهنا فقط تزود المعلمة توحة بحثا عن الفضيلة وتبكى على حبيبها، وتنتهى الأمور بأن يميل رشاد إلى توحة ويتسامح تماما عن كل ما فعلته معه ومع أخته، وفى المشهد الأخير يذهب الاثنان الى الأراضى المقدسة لأداء فريضة الحج، يا لها من نهاية مصطنعة يريد الفيلم أن يقنعنا أن التوبة وحدها تغسل كل هذه الأدران التى فعلتها توحة وفريقها من الأشرار، والغريب هنا أن هذه المرأة قد نالت الرجل الذى تحبه، وهو مصير يختلف تماما عما حدث لسمارة التى ماتت مقتولة بعد أن بلغ طموحها أبعد الحدود.
هى مرحلة جاءت فى السينما بعد انتشار ظاهرة «ريا وسكينة»، المرأة الشريرة، تعيش بيننا ونراها بصورة مكبرة جدا على الشاشة ولا شك أن هذه الصورة من النساء قد اختفت بالتقريب فى الستينيات، وظهرت فى حياتنا نساء أخريات أكثر رقة وإيجابية من توحة وإخواتها.