الاستثمار.. وتشريعاته وتعديلاته - مدحت نافع - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 2:38 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستثمار.. وتشريعاته وتعديلاته

نشر فى : الإثنين 10 يوليه 2023 - 7:00 م | آخر تحديث : الإثنين 10 يوليه 2023 - 7:00 م

كلما تعثّر دخول الاستثمارات الجديدة إلى البلاد، أو ارتفعت صيحات المستثمرين المحليين على خلفية معاناتهم مع متطلبات الاستثمار فى مصر، تحرّكت الهيئة العامة للاستثمار ومختلف الأطراف التنفيذية المسئولة عن الملف لاقتراح تعديلات تشريعية جديدة!
وإذا كان التعديل التشريعى مطلوبا فى كثير من الأحيان لتذليل العقبات أمام المستثمرين، فإن عددا لا بأس به من تلك العقبات يكمن فى الروتين الحكومى وإجراءات العمل لدى الجهات المخاطبة بالتشريع. كذلك تتشعّب العوامل المؤثرة فى مناخ الاستثمار لتمتد إلى مختلف المتغيرات الاقتصادية بل وغير الاقتصادية مثل الأوضاع الصحية والاجتماعية والأمنية والسياسية.. فى المناطق التى يستهدفها المستثمر بمشروعاته.
من هنا كانت أهمية القرارات التى صدرت أخيرا عن المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة السيد رئيس الجمهورية. فقد حاولت أن تضع يد صانع القرار على جوانب كثيرة تحد من جذب رءوس الأموال وتحول دون تدفقها، وقد كنت ومازلت أرى أن أفضل ما فى القرارات الأخيرة ما اشتمل على توجيه بالدراسة والتعديل، وكان ذلك مناطا توجسيا من كون الجهات التى عهد إليها بالدراسة هى التى تعثّرت على عتباتها مليارات الدولارات، ثم ارتدت إلى ملاذات أخرى للاستثمار خارج مصر.
فقد التفت الأعلى للاستثمار إلى ضرورة تعديل أى تشريع من شأنه منح جهات الدولة أفضلية وتمييزا يحول دون سريان الحياد التنافسى الذى أقرت الدولة بأهميته لإقناع رأس المال الخاص على الدخول إلى حلبة المنافسة مع شركات ومؤسسات مملوكة للدولة، ولكن دون عصف بحقوق المال الخاص لصالح المال العام. وكذلك كانت هناك توجيهات بالتوسّع فى منح الامتيازات التى أقرها القانون 72 لسنة 2017 (قانون الاستثمار) وفى مد العمل بالرخصة الموحّدة المعروفة بالرخصة الذهبية لتشمل مزيدا من المشروعات فى مجالات مختلفة ولفترات أطول من التى كانت مشمولة بالتشريع الأول.. وإذ تحرّكت الحكومة بأذرعها المعنية بالاستثمار وفى مقدمتها الهيئة العامة للاستثمار، ملبية لقرارات المجلس الأعلى، فإن التحرّك السريع بطرح تعديلات على القانون 72 المشار إليه سابقا، يعد أمرا محمودا إذا ما وزن بميزان الجدية والحرص على تحقيق الصالح العام، ولكن التعديلات المقترحة على اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، ولم تقر بشكل نهائى حتى كتابة هذه السطور، يعوزها الكثير من إعادة النظر.
وقد اشتملت التعديلات المقترحة على قانون الاستثمار على تعديل كل من المواد: (9 و12 و13 و17 و20 و34 و40)، مع إضافة المادة 11 مكرر التى لم تكن موجودة فى النص الأصلى للقانون.
●●●
بصفة عامة جاءت فلسفة التعديلات المقترحة محققة لأهداف تنشيط الاستثمار التى خرجت بها قرارات المجلس الأعلى للاستثمار، لكن فلسفة القانون كثيرا ما تصطدم بنصوص ومواد غير ملبية للأهداف المعلنة سواء فى صياغتها أو فى اختيارها من بين مختلف نصوص القانون. وإذا كانت المواد المختارة كافية لتحقيق الفلسفة فربما عجز القانون عن تحقيق فلسفته لأسباب تتعلّق بالتطبيق والذى كثيرا ما يجد مبررا للالتباس محله الصياغة المرتبكة للتعديلات.
من ناحية أخرى، فإن قانون الاستثمار بوضعه الراهن وبالتعديلات المطروحة عليه يضفى نوعا من الصعوبة على المخاطبين بنصوصه حيث يشق على القارئ للمواد المعنية بالحوافز (على وجه الخصوص) أن يقرأ المادة بشكل مستقل، حيث تحيلنا المادة 11 مكرر (المقترح إضافتها) إلى المادة 12 والمادة 13 تحيلنا إلى المادة 11 بشكل دائرى مستمر، الأمر الذى يصعّب مهمة استيعاب القانون على المستثمر، خاصة الأجنبى الذى يقرأ النصوص مترجمة، وهو بعدُ غير معتاد على تشريعاتنا وتعقيداتها.
وفيما يلى بعض الملاحظات على أبرز التعديلات المقترحة دون إسهاب يضيق به القارئ بالصياغة المقترحة للتعديلات:
مادة 9، سمح تعديلها المقترح بمد الحوافز العامة للقانون 72 إلى جميع المشروعات القائمة قبل صدوره، مع استمرار استثناء المشروعات المقامة بنظام المناطق الحرة بالطبع نظرا لتمتعها بنظام خاص. وقد أصبحت جميع الشركات مخاطبة بالحوافز العامة للقانون «أيا كان النظام القانونى المؤسسة به» وهو تعديل أضيف أثناء مناقشات اللجنة.
أما تعديل المادة 12 فقرة أولى / بند 2، فإنه يسمح للحوافز الخاصة (المؤقتة) بأن تنسحب على شركات تأخر تأسيسها إلى مدد يصل مجموعها إلى تسع سنوات من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية للقانون.. وفى هذا تقدير حسن للظروف العالمية التى تسببت فى تعطيل الاستثمار، ولكننى أرى الاكتفاء بالإشارة إلى مدد أخرى، وعدم تسقيفها بتسع سنوات (أى بفترة واحدة إضافية فقط) خاصة أن الموافقة على المد جوازية، وفى يد مجلس الوزراء.
مادة 13 مقترح تعديلها لتمنح حوافز إضافية للمستثمرين تمتد إلى تكاليف المرافق والبنية الأساسية والخدمات، وهى أمور غاية فى الأهمية. لكن الصياغة المقترحة للتعديلات تحتمل إشكاليات متعددة، إذ تمنح إعفاءات ظاهرها الرحمة، لكنها تبطن مشقة كبيرة على المستثمر الذى يداهمه نص صريح على أن الدولة قد تتكرّم عليه بالمساهمة فى تكاليف البنية الأساسية والخدمات والمرافق العامة بنسبة تصل إلى 50%! والأصل أن تلك التكاليف تقع بالكامل على الدولة، وأن المستثمر يحصل على أراضيه مرفّقة، ويتضمّن المقابل الذى يدفعه لجهات الدولة فى صورة ثمن أو مقابل انتفاع ما هو مهيأ لمشروعه من مرافق وخدمات. الأزمة هنا تكمن فى أن هذا التعديل الجديد يرسّخ لفكرة مساهمة المشروع الخاص فى تكاليف أعمال البنية الأساسية، وهى إشكالية يخلقها التعديل المقترح إذ إنها لم ينص عليها سلفا فى هذا القانون، وأنها تطلق خيال الموظف العام ليفرض أعباء جديدة على المستثمر، الذى يرى بعينيه ارتفاع تكلفة مشروعات البنى الأساسية وتتمثّل أكبر كوابيسه فى أن يدعى لتحمّل جانب منها! ذلك الخيال المجهض للاستثمار نجده ماثلا فيما يعرف بـ«مقابل التحسين» الذى تفرضه المحافظات على المستثمرين بشكل يخلو أحيانا من الانضباط، وهو ما تناولناه فى مقال سابق، وقد علمت أن المشرع (والحمد لله) قد انتبه إلى ضرورة تنظيمه فى قانون جديد.
كذلك تضمّن التعديل المقترح للمادة 13 جواز مساهمة الدولة فى تكاليف استهلاك المرافق الأساسية لمدة عشر سنوات وبنسبة تصل إلى 50%!! علما بأن المحكمة الإدارية العليا قد توسّعت فى تعريف مفهوم المرافق الأساسية بشكل كبير، كما أن هناك شركات خاصة تقدّم خدمات مرافق الغاز والكهرباء وخلافه.. فهل ستقوم الدولة بالسداد لتلك الشركات؟ وإلى أى مدى يضع هذا التعديل أعباء كبيرة على الدولة، ويفرض ضرورة حوكمة قرار منح تلك الامتيازات. ناهيك عن اقتراح إعفاء المستثمر من مقابل حق الانتفاع للأرض لذات المدة.. كل تلك الإعفاءات تتم بناء على عرض الوزير المختص وبموافقة رئيس الوزراء (وهو حاليا وربما مستقبلا الوزير المختص!) وهى أيضا تفتح بابا للمحسوبية خاصة أن السيد الوزير المختص لا يقوم بإعداد ودراسة الملف بنفسه.. ولذا أرى أن يكون قرار الموافقة على تلك الحوافز الخاصة من اختصاص لجنة تابعة للمجلس الأعلى للاستثمار، ليس فقط بوضع المعايير (كما نصت المادة المعدّلة) ولكن بدراسة كل مشروع حالة بحالة حرصا على المال العام.
المادة 17 بعد التعديل وضعت تفاصيل مهمة فى الخريطة الاستثمارية. لكننا نعوّل على اللائحة التنفيذية أن تضع الالتزامات المناسبة على الجهات المعنية المخاطبة بالقانون، حتى لا يكون النص غير مفعّل حال تقاعس الجهات عن تزويد الهيئة بالمعلومات.
وكذلك أرى التوسع فى مفهوم الخارطة لتشمل خارطة للتشغيل يتم تحديثها بصفة دورية متضمنة نسب البطالة على مستوى المحافظات والأقاليم، واحتياجات الاستثمار كثيف العمالة فى تلك الأقاليم مع وضع امتيازات وحوافز خاصة لتلك المشروعات التى تقوم بتوظيف عمالة مصرية.
تعديلات مادة 20 مهمة للغاية خاصة أنها تتوسع فى تطبيقات الرخصة الذهبية، وكنت دائم التوصية بهذا، لكنها تغص بالتفاصيل، التى يمكن إحالتها إلى اللائحة التنفيذية للقانون.. مع ضرورة إعادة صياغة النص بما يسمح للشركات القائمة حاليا، حال طلب إقامة «مشروع جديد» بالتمتع بمزايا الرخصة الذهبية على قدم المساواة مع الشركات الجديدة.
مادة 34 بعد التعديل حوّلت حكما مانعا إلى نص جوازى مشروط بموافقة المجلس الأعلى للطاقة، إذ أصبح من الممكن لمشروعات تعمل فى مجالات الصناعات البترولية (مثلا) أن تقام فى نطاق المناطق الحرة. وهنا وجب التنويه إلى أن مجلس النواب قد وافق بتاريخ 1 نوفمبر 2020 على مشروع القانون الخاص بتعديل نص المادة 34 من قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 والذى وافق عليه مجلس الوزراء بجلسته رقم 91 فى 13 مايو 2020. وإذا كانت المادة قد حظرت فى نصها الحالى بعض الأنشطة كثيفة استهلاك الطاقة من التمتع بامتيازات المناطق الحرة نظرا لوضع معين لأزمة الطاقة، ثم إن التعديل الجديد جاء على خلفية وضع تنتفى فيه الأزمة (من وجهة نظر أحادية)، فإن النص القانونى يجب أن يكون أكثر استقرارا وشمولا.
أما الهدف من إضافة المادة 11 مكرر فهو جيد للغاية، لكن التطبيق سيكون محدود الأثر، نظرا لأنها تقدّم حافزا نقديا لبعض المشروعات حديثة النشأة والتأسيس، وتربطه بصافى الربح الخاضع للضريبة، علما بأن تلك الشركات عادة ما تتأخر فى تحقيق أى أرباح فى السنوات الأولى من التأسيس.
●●●
أما المواد التى غفلت عنها التعديلات المقترحة، فيتمثّل أهمها فى المادة 55 والتى تفتح مجالا لجهات الولاية على الأراضى أن تكون مسارا بديلا للمسار الذى ينظمه القانون 72 بمنتهى الشفافية والاتساق... ومن المعلوم أن تعدد جهات الولاية على العقارات يتسبب فى مشكلات كبيرة للمستثمرين. ولذا يقترح أن تعدّل المادة بما يجعل التصرّف فى العقارات المعلنة على الخريطة الاستثمارية من اختصاص الهيئة العامة للاستثمار دون منازع.
كذلك نلاحظ أن القانون بحالته الراهنة، لا يمنح المناطق الاستثمارية استقلالية مناسبة، إذ تتداخل معظم اختصاصات مجالس إداراتها مع الوزارات والهيئات المسئولة عن مد المرافق، بشكل يهدد الاستثمار ويلغى خصوصيتها. وما زلت أرى إلغاء القانون 230 مع تضمين المادة 20 فى متن المشروع الحالى بهدف وحدة النص المنظم للاستثمار.

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات