دروس حرب أكتوبر ونظام شرق أوسطى جديد - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 4:04 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس حرب أكتوبر ونظام شرق أوسطى جديد

نشر فى : الأحد 10 أكتوبر 2021 - 8:05 م | آخر تحديث : الأحد 10 أكتوبر 2021 - 8:05 م
يستخدم هذا المقال الخيال العلمى لتصور نظام إقليمى جديد للشرق الأوسط؛ تقوده أربع دول هى مصر والمملكة العربية السعودية وإيران وتركيا، ويشمل كل الدول العربية، ويستند إلى عدد من المبادئ تضمن لكل هذه الشعوب السلام والأمن والتعاون على النحو الذى يحقق لها أفضل فرص العيش الكريم.
طبعا سوف يثير القراء والقارئات التساؤل عما يدعو كاتب المقال إلى ترك العنان لخياله ليقترح نظاما أطرافه لا ترتبط فى الوقت الحاضر بعلاقات ودية، بل لا يتبادل بعضهم مع البعض الآخر علاقات دبلوماسية كاملة أو غير كاملة. ومع ذلك يرى الكاتب أن استخدام الخيال فى اقتراح ترتيبات للمستقبل ليس أمرا غريبا، بل إنه مفيد إلى أقصى حد، وفى مجالات عديدة.
وتقدم حرب أكتوبر ١٩٧٣ أكبر دليل على جدوى الخيال فى الإعداد لحرب تحرير، فقد كان أحد عناصر النجاح لكل من القوات المصرية والسورية فى بداية هذه الحرب هو عنصر المفاجأة وخطة تضليل العدو الإسرائيلى، وقد استندا بكل تأكيد على إعمال الخيال والخروج عن المألوف. لقد تصور المخططون المدنيون والعسكريون لهذه الحرب الأوضاع التى تكفل مواجهة عدوهم على حين غرة، فاختاروا يوم العيد المسمى بعيد الغفران، والذى تقتضى طقوسه وفقا للديانة اليهودية السكون والامتناع عن الخروج من المنازل، وقرروا أن تكون ساعة بدء المعارك ليس عند غروب الشمس أو شروقها ولكن فى الثانية ظهرا عندما تواجه الجنود الإسرائيليين فى شرق القناة شمس أكتوبر، وسبق ذلك الأخذ بكل المظاهر وأنماط السلوك التى توحى بأن المصريين والسوريين لا يفكرون فى حل عسكرى لأزمة أراضيهم المحتلة. ولم يكن فى ذلك خروج على ما يستلزمه المخططون الاستراتيجيون من ضرورة الاستعداد لكل المواقف، والتفكير كما يقولون فيما يستبعد التفكير فيه. بل إن استخدام الخيال ليس ضروريا فى الأعمال الفنية والأدبية فحسب، ولكنه أساسى فى البحث العلمى، ألم تكن النظريات الكبرى فى تاريخ العلم وليدة الخيال مثل نظريات الانفجار العظيم كتفسير لنشأة الكون، أو النشوء والارتقاء فى تطور الأنواع أو النظرية النسبية فى جعل الزمان بعدا رابعا للمكان، أو حتى تصور العالم البريطانى الراحل ستيفن هوكينج قصة مختصرة للزمن. وبالنسبة لعلوم الاجتماع طرح العالم الأمريكى س. ر. ميلز فكرته عن استخدام الخيال فى تلك الفروع، وأبدع الدكتور عمار على حسن فى كتابه عن الخيال السياسى.

مبررات الدعوة إلى نظام إقليمى جديد
ولكن ما الذى يدعو للتفكير فى نظام إقليمى جديد؟ هل هذه أولوية فى الوقت الحاضر؟ طبعا لا يتصور الكاتب أن صانعى القرار سوف يأخذون هذه الدعوة على الفور مأخذ الجد، وأنهم سيعقدون الاجتماعات لترجمتها على أرض الواقع، ولكن النقاش حولها قد يكشف عن نقائص فى أوضاعنا الراهنة، وربما يفيد فى المستقبل فى تنشيط التفكير فى نمط جديد من العلاقات يربط كل دول المنطقة، والمقصود بالمنطقة هو كل الدول العربية فضلا عن إيران وتركيا، على أن تنعقد الريادة فى هذا النظام لكل من مصر والمملكة العربية السعودية باعتبار أنهما يمثلان الجامعة العربية فى هذا التنظيم.
المبرر الأول لهذا الاقتراح هو دروس حرب أكتوبر التى اتسمت بدرجة عالية من التنسيق بين كل من مصر وسوريا فى العمليات العسكرية، ومع المملكة العربية السعودية فى الدعم الدبلوماسى لهذه الحرب ومعها الدول العربية المصدرة للنفط فى إطار المنظمة التى تجمعها، والتى قررت الخفض التدريجى لإنتاجها، ومعاقبة الدول التى تساند إسرائيل بحظر تصدير النفط إليها، وهو الحظر الذى استمر شهورا وتوقف عندما طلب الرئيس السادات من المملكة العربية السعودية وقفه، ثم تضامنت كل الدول العربية مع كل من مصر وسوريا بإرسال بعضها قوات أو معدات عسكرية ووقوف العرب جميعا صفا واحدا لاستعادة أراضيهم المحتلة. مثل هذا المثل الرائع فى التضامن العربى جعل المراقبين الخارجيين يتصورون أن الوطن العربى قد أصبح قوة سادسة على المسرح العالمى، وللأسف الشديد هذا هو ما يتناقض تماما مع الأوضاع التى يعيشها الوطن العربى فى الوقت الحاضر. فهل نفكر فى صورة من التعاون الإقليمى تحقق أهدافا متماثلة؟
والمبرر الثانى هو التداخل الشديد بين كل من إيران وتركيا والشأن العربى واحتفاظ البلدين بعلاقات متنوعة مع الدول العربية، هى علاقات تعاون مع البعض بل وسيطرة على دول أخرى، وهى علاقات عداء مع بعضها الآخر، ولكن هناك مصالح مشتركة بين الدولتين والدول العربية وفى مجالات متعددة، اقتصادية وثقافية وعسكرية، وعداء لمخططات إسرائيل التوسعية والاستيطانية وضربها عرض الحائط بكل قواعد القانون الدولى بشأن العلاقات بين دول مستقلة وذات سيادة. ولذلك فلا يمكن عند التفكير فى مستقبل المنطقة استبعاد هاتين الدولتين.
والمبرر الثالث هو أن الأوضاع الإقليمية شهدت بالفعل فى الشهور الأخيرة تحركا فى هذا الاتجاه، بمفاوضات بين إيران والمملكة العربية السعودية، وكذلك نفس الأمر بين مصر وتركيا، بل وقد سبق أن اقترح السيد عمرو موسى عندما كان أمينا عاما لجامعة الدول العربية منح الدولتين صفة المراقب لدى الجامعة العربية.
والمبرر الرابع هو أن القوى الكبرى من خارج المنطقة إما تتخلى عنها وتنسحب منها تدريجيا، أو هى ترسم مستقبلها بالتشاور مع دول غير عربية. الولايات المتحدة، بحسب مفكريها الاستراتيجيين، فقدت جانبا كبيرا من قدرتها على أن تكون شرطى العالم، وهى لا تميل إلى ذلك، وهو اتجاه بدأ بوضوح فى ظل الإدارات الثلاث الأخيرة فيها من أوباما إلى ترامب وانتهاء ببايدن. كل الرؤساء الثلاث انسحبوا تدريجيا من الشرق الأوسط وجنوب آسيا على أمل التركيز على المنافسة مع الصين أو ربما مواجهتها، بل لقد تحولت الولايات المتحدة إلى قوة إقليمية، همها الأساسى هو ما يجرى فى المحيط الهادى الذى تطل عليه فى ساحلها الغربى، عاجزة عن إسقاط نظام نيكولاس مادورو فى فنزويلا فى فنائها الخلفى كما يقولون، وتجاهد لإقناع إيران بالعودة للاتفاق النووى، ولا تحظى بالثقة فى أوروبا. وقد التقط أنصار الولايات المتحدة فى الوطن العربى هذه الإشارات، وتساورهم الشكوك فى أن تهب الولايات المتحدة لنصرتهم عندما تحل بهم أخطار تهدد أمنهم الوطنى، كما كان الحال مثلا فى حرب الخليج الثانية التى انتهت بإخراج القوات العراقية من الكويت. والقوة الدولية الثانية وهى الاتحاد الروسى تتفاوض حول مستقبل سوريا مع دول غير عربية مثل إيران وتركيا وإسرائيل، ولا تقيم للدول العربية وزنا.
والمبرر الخامس هو انتكاسات الدبلوماسية العربية القطرية والجماعية. تخلت الحكومات العربية عن مبدأ مبادلة الأراضى بالسلام، وصارت تقدم لإسرائيل مزايا مجانية. تتبادل معها الاعتراف الدبلوماسى وتتعاون معها فى مجالات الأمن والاقتصاد دون أن يقترن ذلك بأى قبول ولو جزئى لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولى تجاه الشعب الفلسطينى أو سوريا أو لبنان، كما تواصل اعتداءاتها على الشعوب الثلاث واستهانتها بحقوقها المشروعة.

معالم النظام الجديد
تتخذ الدول الأربع المبادرة بالشروع فى الخطوات التى تؤدى إلى بلورة مؤسسات هذا النظام الجديد. وسبب اختيار عدد محدود من دول المنطقة وليس كل دول المنطقة أن أى نظام إقليمى يكتسب الفعالية عندما تكون هناك دولة قائد له تفوق فى إمكانياتها الدول الأخرى الأعضاء فيه وتستميلهم بعناصر القوة التى تملكها للالتزام بمبادئه، أو تكون هناك مجموعة صغيرة من الدول تقوم بهذا الدور مع الدول الأخرى الأعضاء، هذا هو الحال فى حلف الأطلنطى الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الحال فى الاتحاد الأوروبى الذى يحركه إلى حد كبير التنسيق بين ألمانيا وفرنسا. واختيار الدول الأربع يعود إلى أنها الأقوى بين دول المنطقة من حيث عناصر القوة الشاملة التى تشمل عدد السكان وحجم الناتج المحلى وتنوعه وقوتها العسكرية ونفوذها الدبلوماسى. وتسيطر كل من الدول الأربع على كل إقليمها، ولا يوجد تهديد جاد بتفككها، كما أن ثلاثا من هذه الدول هى الأقدم وذات الاستمرار التاريخى والتمتع بحدود آمنة.
ويمكن أن تكون الخطوة الأولى نحو هذا النظام هى استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين أعضائه، وهو ما لم يتحقق بعد بين السعودية وإيران، وبين مصر وكل من إيران وتركيا، ويلى ذلك دخولها فى مشاورات حول تسوية القضايا الخلافية مع تكثيف التعاون فيما بينها، وربما يعقب ذلك تكوين مجلس يقتصر عليها فى البداية، ويليه تطويرها لمشاريع مشتركة علمية وتكنولوجية واقتصادية، وربما توافق على أسس تسوية الصراعات الإقليمية وصراعات الحدود بين دول المنطقة، ويكون الانتقال إلى شكل أوسع من التنظيم بانضمام دول أخرى له بعد تحقيق هذا التجمع الصغير من حيث عضويته إنجازا على طريق التعاون وتدعيم الأمن الإقليمى.
والمبادئ التى يقوم عليها هذا التجمع هى الاعتراف بالسيادة وبالمساواة وبحدود كل الدول الأعضاء، وعدم تدخل أى منها فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، وتعاونها معا على أساس من التكافؤ وتحقيق المصلحة المشتركة، والتزامها بمبدأ التسوية السلمية للمنازعات.
ويستهدف هذا التجمع تطوير العلاقات الودية بين أعضائه عن طريق التشاور فيما بينها حول أمور مشتركة، وتكثيف التعاون فى المجالات العلمية والتكنولوجية وتوفير البنية الأساسية فضلا عن قضايا المياه والبيئة وتعزيز التبادل التجارى، ويمكن أن يمتد هذا النشاط إلى مجالات أخرى بحسب ما يتفق عليه الأعضاء.
ولا يستبعد هذا التجمع احتفاظ الدول الأعضاء بعضويتهم فى منظمات أخرى إقليمية سواء مع دول المنطقة أو دول أخرى، وبالتالى لا تتعارض عضوية هذا التجمع مع عضوية الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجى، أو المنظمات الأخرى التى تدخل فيها إيران أو تركيا.
ولاشك أن الدول الأربع تملك مجالات عديدة للتعاون. مصر والسعودية يمكن أن يستفيدا من التقدم العلمى الذى حققته كل من إيران وتركيا، وهناك علاقات اقتصادية متنوعة بين تركيا وكل من الدول الثلاث الأخرى، والتنوع الذى أصبحت تتسم به معظم اقتصاداتها، ووفرة الاستثمارات فى المملكة العربية السعودية كلها تضع أسسا لتعاون مثمر وذو نفع متبادل لكل منها.
وطبعا سوف يواجه قيام هذا الكيان الجديد بالتشكك بل والمقاومة من جانب إسرائيل. ولكن الرد على ذلك هو أن هناك روابط ثقافية وتاريخية بين الدول الأربع، وإسرائيل ليست طرفا فى هذه الروابط. كما أن الموقف من إسرائيل تحدده الدول الأربع وكل الدول الأعضاء فيما بعد بحسب التزام إسرائيل بمبادئ تسوية الصراع العربى الإسرائيلى التى اعتمدتها خطة السلام العربية وفى مقدمتها الجلاء عن كل الأراضى العربية المحتلة فى 1967، والوفاء بحق تقرير المصير للشعب الفلسطينى وفى إقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف.
مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات