على كل عربى مخلص لعروبته، وعلى كل مسلم مخلص لإسلامه أن يشعر هذه الأيام بالخجل والفشل وهو يرى جزءا يتم اقتطاعه من دولة عربية هى السودان.
أما من يجادل فى ذلك فعليه أن يسأل نفسه: كيف يمكن توصيف شخص يجبر شخصا آخر على العيش معه دون رضائه؟!.
المؤكد أنه شخص متسلط متجبر، بلا مروءة أو كرامة وليس شهما. الوضع لن يختلف كثيرا إذا طبقنا المثل على دولة تحاول إجبار جزء منها خصوصا إذا كان مختلفا ومتمايزا عنها على الاستمرار والبقاء من دون رغبته.
لسنوات طويلة كنت وغيرى كثيرون نكيل الاتهامات للجبهة الشعبية لتحرير السودان التى كان يقودها الراحل جون جارانج لأنها تحاول الانفصال، ونفس الوضع يمكن قوله عن الأحزاب الكردية العراقية التى قالت إنها تعرضت للاضطهاد على يد حكومة الرئيس الراحل صدام حسين.
وكتبت وغيرى نتهم هذين الطرفين بتهم كثيرة منها العمالة لإسرائيل.
لكن الشجاعة تقتضى منى القول إننى ربما كنت مخطئا فى عدم تفهم الصورة كاملة بشأن ملف الأقليات العربية. قد تكون الجبهة الشعبية أو الأحزاب الكردية العراقية لها علاقة بإسرائيل أو أى قوى معادية للعرب، لكن السؤال الجوهرى الذى لم نجرؤ أن نسأله لأنفسنا هو: ماذا قدمنا لهذه الأقليات المقيمة بيننا لكى تستمر معنا تحت سقف دولة واحدة فى السودان أو العراق أو أى دولة عربية بها أقليات وتقول إنها مضطهدة؟.
أسهل شىء أن ندين هذه الأقليات ونتهمها بكل التهم الممكنة وغير الممكنة، لكن الأصعب هو أن نواجه أنفسنا بالحقيقة المرة وهى أننا فشلنا فى تقديم نموذج حضارى محترم يجعل هذه الأقليات تتمسك بالبقاء معنا وتفكر كثيرا قبل أن تطلب الانفصال.
فى الماضى عاشت أقليات كثيرة عرقية ودينية وسط العرب أثناء عزهم ومجدهم. وحضارتهم. ثم انقلبت الآية، وصرنا أمة منفرة يسعى بعض مكوناتها لتركها تماما والهجرة لبلدان نائية مثل السويد وكندا واستراليا.
عندما يكون السودان الجنوبى واثقا من أن أوضاعه بعد الانفصال ستكون صعبة وربما مؤلمة، ثم يصر على الانفصال فمعنى ذلك أنه كفر بكل شىء يمكن أن يجمعه مع جاره الشمالى، وعندما يكون حضن إسرائيل العنصرية أو أمريكا الاستعمارية أكثر دفئا للكردى المسلم، من أخيه وابن دينه العراقى المسلم، فمعنى ذلك أن هذا الأخ ارتكب فى حقه كل ما هو شنيع.
ثم وهذا هو الأهم إذا كنا ندين إسرائيل صباحا ومساء لأنها تحاول حكم شعب بالإكراه هو الشعب الفلسطينى الشقيق، وإذا كنا قد هللنا وشجعنا وساعدنا على استقلال البوسنة والهرسك ثم كوسوفو من يوغسلافيا السابقة التى صارت صربيا، فلماذا لا نطبق نفس القاعدة مع جنوب السودان، وأكراد العراق إذا فكروا فى الاستقلال.
كنت ومازال أعتبر نفسى قوميا وعروبيا حتى النخاع، لكننى صرت أكثر اقتناعا بأن العروبة الحقة تعنى الديمقراطية والحرية واحترام حق الآخرين فى الاختلاف والتمايز.
ثم إذا كنا لانزال عاجزين عن التوحد كبلدان عربية، فكيف نقنع الآخر المختلف عنا أن يظل معنا.
العروبة الحقة لابد أن تكون إنسانية أولا واخيرا وبغير ذلك فسوف تظل مجرد شعار بلا مضمون ..واذا استمرت هكذا فإن انفصال جنوب السودان لن يكون الأخير.