«مهمة وزارة الداخلية الأولى هى حماية المواطنين والسهر على أمنهم، والوزارة لن تكون شماعة الحكومات الفاشلة، ولن تتحمل الأخطاء السياسية فى التعامل مع الشعب، وليس من مهامها حماية النظام والحكومة وإنما خدمة الشعب».
الكلمات السابقة ليست بيانات لمراكز حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب والنقابات ــ كما يبدو للوهلة الأولى ــ بل هى نص ما قاله اللواء محمد إبراهيم يوسف وزير الداخلية خلال اللقاء الذى عقده مع قيادات الأمن فى المنوفية وكفر الشيخ والغربية فى طنطا يوم الاثنين الماضى. الكلمات السابقة تستحق التحية والتقدير والإشادة والمساندة شرط أن تتحول إلى أفعال على الأرض.
ما قاله الوزير فى الغربية كان مطلبا دائما للكثيرين خلال الثلاثين عاما الماضية، دون وجود صدى من المسئولين، وعندما تولى اللواء منصور العيسوى المسئولية تحدث كلاما إيجابيا كثيرا، بل قال إن عقيدة الوزارة تم تغييرها لتصبح الشرطة فى خدمة الشعب فعلا وليس الحكومة.
لكن الذى رأيناه على الأرض لم يتطابق مع ما قاله عيسوى فى وسائل الإعلام، وتلك هى المشكلة.
مؤشرات تجربة الوزير الجديد تبدو مبشرة حتى الآن، فالرجل ينزل الشارع ويقود الحملات بنفسه.
وحتى الآن أيضا فإن الوزير تمكن من منع توريط الشرطة فى قمع الاحتجاجات السياسية، وهى نقطة تحسب له، السؤال الجوهرى الذى ينبغى أن ينافسه الوزير مع الحكومة ومع مساعديه، بل وعلينا نحن أن نسأله دائما هو: كيف يمكن ترجمة الكلام الطيب والجميل الذى قاله فى الغربية إلى واقع حى يلمسه الناس على الأرض.
وحتى لا نظلم الشرطة فإننا ندرك أن تحولها من جهاز قمعى يحمى نظام الحكم إلى جهاز مهنى محترف يقاوم الجريمة، ويحمى المجتمع يحتاج وقتا وجهدا.
الدور المهم الذى يمكن للوزير الجديد أن يؤديه هو أن يقيم دورات تدريبية وورش عمل مكثفة وجادة للضباط والأمناء والجنود تكون رسالتها محددة، وهى: أن دوركم هو حماية المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات طالما كانت مرخصة وفى حدود القانون، مهمتكم أن تحموا هؤلاء المتظاهرين حتى لو كانوا يهتفون ضد وزيركم أو رئيس حكومتكم أو رئيس جمهوريتكم.
علينا أن نغرس فى أذهان جنود وضباط الشرطة أن الذى يتظاهر سلما ليس جاسوسا لأمريكا وإسرائيل وقطر وكمبوديا، بل مواطن له رأى ينبغى احترامه وحمايته.
عندما يؤمن الضابط أو الجندى بهذه الأفكار وأنه يحمى فعلا الشعب وليس النظام ستتغير عقيدة الشرطة، لأنها لن تتغير بقرار من الوزير أو رئيس الحكومة أو حتى من المشير أو أى رئيس قادم للجمهورية، هذا التغيير يحتاج استراتيجية طويلة المدى تكون أولى خطواتها تغيير العقلية والذهنية، وكل المناهج التى يدرسها طالب الشرطة.
لكى تقود الشرطة لخدمة الشعب لا نظام الحم تحتاج أيضا إلى قرار استراتيجى بان يكون جهاز الأمن الوطنى أو أمن الدولة أو المباحث العامة أى أى اسم يسمى به ــ جهازا لجمع المعلومات عن الإرهاب وما يهدد أمن الدولة فعلا وليس التجسس والتصنت على الأحزاب والنقابات والجامعات والشركات ووسائل الإعلام.
الطريقة التى كان يعمل بها أمن الدولة لابد أن تحول أعضاء الجهاز إلى شياطين حتى لو كانوا ملائكة، عندما يخاف الوزير أو رئيس الشركة ملازم أول فى أمن الدولة لأنه يعرف أنه يمتلك معلومات تبتزه، فلا أمل فى الإصلاح. المنظومة تحتاج إلى تغيير بالكامل فى كل مناص الحياة، وبما أن تغيير المنظومة يحتاج وقتا طويلا، وبما إننا لا يمكننا الانتظار حتى يبدأ الإصلاح الشامل، فلا مفر سوى تشجيع المبادرات الصغيرة، حتى لا نتهم بأنه لا هم لنا إلا النقد والهجوم.