نشرت صحيفة الراى الكويتية مقالا للكاتبة «عالية شعيب» جاء فيه: لا يجب فصل المرأة عن نسيج المجتمع، خصوصا أنها تمثل أكثر من النصف وتربى النصف الآخر. إن أخطر ما تواجهه المرأة المعاصرة من تحديات، هو:
أولا: عدم مساواتها مع زميلها الرجل فى الوظيفة والمهام والراتب وحقوق التعبير والمشاركة العملية أو المساهمة ميدانيا أو فرص الترقيات. وحين نأتى للأدب، نجد أنه متاح له الكتابة فى كل موضوع بلا استثناء، بل ويتم تشجيعه والتصفيق له لسبر واقتحام الموضوعات الصعبة والساخنة. أما هى فمحظور عليها فتح الأبواب المغلقة لأنها أنثى وسيلحق العيب والعار بأسرتها ويتبعها لآخر العمر. ويحجب عنها امتيازات كثيرة، كترقيات الوظيفة، أو الزواج المناسب المتكافئ أو النجاح الذى تتمناه وتحقيق طموحاتها... وغيرها.
ثانيا: مقارنتها بأخريات فى أوطان أخرى بقيود أقل وحريات أكبر مما يثير موضوع المصداقية والعدالة. ولا يمكن لها النجاة من هذا إلا بالعزم والتصميم والإرادة القوية النابعة من الاستقلال الفكرى والثبات الوجدانى. فالكاتبة مثلا تكتب نصا ينبع من خليط ظروف نفسية واجتماعية وتربوية ساهمت فى تشكيل هويتها. وهى هنا كـ«كون» فى فضاء التعبير عن النفس. هى جندى فى معركة طرق كل الأبواب التى منعوها من فتحها. وكل الأفكار التى استثنوها من الكتابة فيها. فكيف تكون إنسانا إن لم تمتلك الجرأة لتحقق وطنيتها وجوهر كيانها. الحرية لا تنفصل عن الوجود الإنسانى. (فإن لم تكن جريئا لا تكتب. وإن لم تكن حرا، فلست بإنسان).
ثالثا: أن تحصر نفسها فى موضوعات المرأة، فتتناسى دورها تجاه المجتمع والوطن والأمة، كمساهمة فى الإصلاح والتطور. وبذلك تتأخر فى مواكبة قضايا الوطن والناس والسياسة والعلم والإصلاح والإعلام التى ينشغل بها الرجل؛ الموظف والكاتب والنائب. وهى ليست أقل تأهيلا منه فى تناولها. ولعل «الشماعة» الأكثر شيوعا لنعلق عليها أعذار تطور المرأة، هى: أنها انفعالية وعاطفية ورقيقة الإحساس وتعجز عن التحكم بمشاعرها. لذلك لا يليق بها منصب قضاء مثلا، متناسين أن للمرأة عقلا كالرجال تماما، وأنها مخترعة ورئيسة دولة، عالمة وكابتن طيران وفضاء، ومؤهلة لمهام المجتمع والتنمية كزميلها الرجل. ولا تسير سفينة المجتمع للأمام من دونها.
لماذا مثلا يتوقع الجمهور أن تكتب المرأة فى الحب والزواج والأولاد والطبخ والديكور، بينما يتوقع من الرجل الكتابة فى السياسة والاقتصاد والتجارة وغيرها من موضوعات مصيرية حاسمة. تظن تلك المجتمعات أن المرأة كائن طارئ على الحياة وهامشى فى المجتمع، مهمته التفريخ والطبخ فقط. وهى مجتمعات تقع تحت ثقل الموروث التقليدى الجامد والمرجعيات التقليدية البالية. مجتمعات تعانى ليس فقط النظرة الدونية للمرأة بل التمييز بين الأفراد، حسب الجنس واللون والهوية والمال وغيره. ولن تتطور أو تتحضر إلا إن تخلصت من هذه العنصرية والطبقية وطبقت العدالة الاجتماعية والمساواة الإنسانية. حينها -وحينها فقط- تسمو لما يسمى بالمجتمع الديموقراطى.
ثم حين ننظر لمجتمعاتنا، نرى أنه على الرغم من الطفرة المالية والعمرانية الهائلة من أبراج ضخمة، مترو، مطارات وقطارات... إلخ، فإنها لا تزال تحت ثقل أفكار متوارثة تهين المرأة وتحط من قدرها ولا تنظر إليها ككائن عاقل قادر، فاعل وفعال فى المجتمع. الطفرة المدنية اقتصرت على المظاهر لا الجوهر. على المبانى والمجمعات والأجهزة ودخول عالم التواصل الاجتماعى والملبس والسيارات والكماليات بأنواعها، لكنها لم تقترب من المنظومة الفكرية الاجتماعية وخاصة مكانة المرأة... لماذا؟ لأنه لا يسمح لها من قبل السلطة والمؤسسات والجهات المسئولة والجمعيات والتربية والإعلام وعالم التجارة والمال... كلهم يقفون صفا بصف ضد تمكين المرأة حتى يبقوا سيطرتهم عليها، فلا تنافسهم ولا تهدد مكانتهم. ومن دون تحقيق هذا لن تتطور الأسرة ولن يخطو المجتمع للأمام.
لكن التغيير قادم. إننا نلمس ذلك الغضب الخفى تارة والصراخ تارة أخرى فى الثورات النفسية والعقلية من خلال تصاريح أو مشاركات إنسانية أو تجارية أو عملية فنية أو أعمال روائية لكاتبات اخترقن المسكوت عنه والمكبوت، وتطرقن لموضوعات، إما كانت حكرا على الرجل أو لم يتجرأ حتى هو على الكتابة فيها. هذا التغيير ليس سوى ثورة طال كتمها وسكاتها وحان أوان أن تتكلم. فليس صحيحا أن المرأة تابع يولى عليها. إنها تسجيل صريح للحظة حسم زمن ضعف المرأة وخوفها الذى انتهى. ومرحلة الحصار الذكورى ولت. فهناك أديبات واجهن النيابة والمحاكم وتمسكن بكلمة الحق. وهناك من تتبعن أحلامهن عبر سلسلة عراقيل حتى نجحن. زمن الخوف ولى وحان أوان الفرسان.
أما لو أتينا لأخطر تحديات المرأة المعاصرة، لا شك سنقول إنها المرأة التى تحاربها وترفض التغيير والتنوير. إنها عدوة نفسها. فقد ارتاحت للجهل والخوف واستكانت مع الضعف والعجز. وأصبح من الصعب اختراق سمك حاجز الراحة النفسية والأمان العقلى حتى تفهم وتتعقل حريتها وحقوقها وتقتنع بالتغيير.
إنها تنظر للمرأة المستنيرة على أنها عنصر تهديد لها. إما تهدد الراحة المستمدة من الجهل أو من حالة الترف التى تجلب لها الأمان التى تعيشها. فقد قام النظام الإعلامى والاجتماعى والاقتصادى الاستهلاكى بـ«تسليع» تلك المرأة وسلخها من إدراك قيمتها كعقل وإرادة، حتى أصبحت مجرد شىء أو بضاعة... تتسوق للقضاء على الوقت وتقيس كل ما فى الحياة ماديا. إنها أخطر على حرية وكيان المرأة المعاصرة من الرجل والمجتمع ومن أى نظام أو كيان آخر.
الراى – الكويت