إيران جاهزة لاتفاق مع ترامب.. رغم الممانعة! - خالد أبو بكر - بوابة الشروق
الأربعاء 12 مارس 2025 12:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

إيران جاهزة لاتفاق مع ترامب.. رغم الممانعة!

نشر فى : الثلاثاء 11 مارس 2025 - 10:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 11 مارس 2025 - 10:45 م

إيران تتحدى.. لكنها ستلبى دعوة ترامب للتفاوض حتى ولو كان تحت التهديد. لا رفاهية لديها للعناد فى ظل اقتصاد مختنق وتجهيز إسرائيلى لضربة مؤلمة. فعلى الرغم من التصريحات العنترية المتكررة التى يطلقها القادة الإيرانيون، ورغم وصفهم إدارة ترامب بـ«البلطجية» ورفضهم العلنى للتفاوض، فإن الحقيقة مختلفة تمامًا عن الخطاب الرسمى. طهران تدرك أن التفاوض مع الرئيس الأمريكى ليس خيارًا، بل ضرورة حتمية لعبور سنواته الأربع بأقل الخسائر، والحصول على متنفس اقتصادى يخفف الضغط الداخلى ويمنح النظام فرصة إعادة ترتيب أوراقه المبعثرة إقليميا.
ما يجعل الإيرانيين أكثر استعدادًا للمفاوضات الآن هو أنهم امتلكوا المعرفة التى تشكل جوهر إنتاج السلاح النووى. فبحسب تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفائيل جروسي، الأسبوع الماضى أمام مجلس محافظى الوكالة فى فيينا، أنتجت إيران بالفعل 275 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60%، وهى الكمية التى تكفى لصنع سبع قنابل نووية. ولم تعد تفصلها عن إنتاج السلاح الفتاك سوى خطوة تقنية بسيطة.
وتاليا فإن إيران لم تعد بحاجة إلى سباق مع الزمن للوصول إلى «نقطة اللاعودة»، لأنها وصلت بالفعل. وبما أن المعرفة العلمية لا يمكن انتزاعها بالعقوبات أو بالضغوط أو حتى بالضربات العسكرية، فإن طهران باتت أكثر ثقة بأنها تستطيع اللعب بذكاء مع إدارة ترامب، تمامًا كما فعلت كوريا الشمالية، لتحقيق مكاسب اقتصادية دون التخلى فعليًا عن طموحاتها النووية.
• • •
إذا كان السلاح النووى هو ورقة الردع العسكرى، فإن الاقتصاد هو ورقة البقاء السياسى، والاقتصاد الإيرانى يعانى من حالة اختناق حادة، تحتاج إلى جرعة أوكسجين عاجلة. انهيار العملة المحلية، ارتفاع التضخم لمستويات كارثية، وازدياد الفقر بشكل غير مسبوق، كلها عوامل تجعل النظام بحاجة إلى اتفاق يعيد إليه بعض العافية المالية ولو مؤقتًا.
إيران لا تسعى لاتفاق حبًا بالتفاوض، بل لأنها تدرك أن شعبها يقترب من نقطة الغليان. الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، والإضرابات المتكررة، وحالة التذمر داخل حتى مؤسسات الدولة نفسها، تجعل القادة الإيرانيين يخشون من أن يؤدى استمرار الحصار الاقتصادى إلى انتفاضة لا يمكن السيطرة عليها.
ما يجعل التفاوض مع ترامب ضروريًا ليس فقط الوضع الإيرانى الداخلى، بل أيضًا طبيعة ترامب نفسه. فهو رئيس لا يمكن التنبؤ بخطواته، ولا يخضع لحسابات السياسة التقليدية. وعلى عكس الإدارات الأمريكية السابقة التى كانت تميل إلى ضبط النفس، فإن ترامب أظهر أنه مستعد للمجازفة عسكريًا دون حسابات طويلة المدى.
• • •
لم تكن إيران أضعف إقليميًا مما هى عليه اليوم بعد الضربات المتتالية التى تلقتها أذرعها فى المنطقة، من حزب الله اللبنانى الذى يواجه أزمة غير مسبوقة، إلى انهيار النفوذ الإيرانى فى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وصولًا إلى ضعف الميليشيات الموالية لها فى العراق واليمن. النظام الإيرانى مثخن بالجراح، ويحتاج إلى هدنة استراتيجية يلتقط فيها أنفاسه، ويعيد حساباته، ويمنع المزيد من التدهور. اتفاق نووى جديد قد يوفر له هذه الفرصة، ولو بشكل مؤقت، مما يسمح له بتثبيت مكاسب داخلية وإعادة بناء شبكة نفوذه الإقليمى.
فى المعادلة الإقليمية كذلك، رئيس الوزراء الإسرائيلى لم يخفِ رغبته فى توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية، وهو موقف كرره مرارًا خلال الأشهر الماضية. بالنسبة لنتنياهو، لا يتعلق الأمر فقط بمنع إيران من امتلاك سلاح نووى، بل بتعزيز مكانته السياسية داخل إسرائيل، خاصة بعد التوترات الداخلية التى يواجهها.

• • •
إيران ليست فى موقع يسمح لها بالمقامرة. الشعارات لن تنقذها، والاقتصاد ينهار. إسرائيل تتحين الفرصة، وروسيا تراقب لمصلحتها. إن رفض المفاوضات مع واشنطن قد يبدو استعراضًا للقوة، لكنه فى الواقع تعبير عن ضعف، ومحاولة لتأخير ما لا مفر منه. فإما أن تقبل طهران بالعودة إلى طاولة المفاوضات، وإما أن تجد نفسها أمام خيارات أسوأ، قد يكون أقلها ضررًا مواجهة داخلية تهدد بقاء النظام نفسه.
فى النهاية، إيران ستفاوض، لا حبًا بالتسوية، بل هربًا من الانفجار. فى السياسة، العناد له ثمن، وطهران تعرف ذلك جيدًا.

التعليقات