مع تزايد المؤشرات على قرب وصول المرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون لمنصب الرئيس الأمريكى، يصبح من الأهمية بمكان العودة والنظر لسجلها فى التعامل مع عدد من القضايا العربية والمصرية الهامة خلال خدمتها كوزيرة للخارجية بين يناير 2009، وحتى فبراير 2013. ولتكن البداية مع سجل كلينتون مع ثورة 25 يناير من خلال رصد لمواقفها خلال الـ18 يوما من المظاهرات، التى أسقطت الرئيس حسنى مبارك، مرورا بمواقفها المعلنة من حكم المجلس العسكرى وموقفها المبدئى من جماعة الإخوان المسلمين ومن قضية المنظمات الأمريكية العاملة فى مصر.
***
مع بداية ثورة مصر ظهر موقف كلينتون المحافظ والمتشكك فى الحراك الشعبى، وعبرت بعد ساعات من انطلاق المظاهرات عن قلقها تجاه ما يحدث، وقالت: «تقييمنا هو أن الحكومة المصرية مستقرة وتبحث عن سبل للاستجابة للاحتياجات الشرعية ومصالح الشعب المصرى». وانقسم فريق إدارة أزمة مصر داخل الإدارة الأمريكية الذى كان يبحث المستجدات المصرية لفريقين. فريق الصغار وكان يرى ما يحدث كثورة حقيقية، وطالبوا بدعم شبابها، أما فريق العجائز بزعامة كلينتون فقد طالب بالتلكؤ، وعدم التخلى بسرعة عن الحليف مبارك. وحذرت كلينتون من أن البديل الوحيد لنظام مبارك هو حكم الإسلاميين. ومع تعقد الوضع داخل مصر، اضطر الرئيس أوباما للرضوخ لمطلب كلينتون بضرورة إرسال مبعوث رئاسى خاص لتوصيل رسالة عاجلة للرئيس مبارك.
ورشحت كلينتون السفير الأسبق لدى مصر فرانك ويزنر، والذى كانت تجمعه علاقات طيبة بمبارك، إضافة إلى عمله لصالح شركة محاماة وعلاقات عامة كبيرة تدعى «باتون بوجز» لها مصالح مع النظام المصرى. وأكد ويزنر بعد لقائه بمبارك أنه يحب أن يسمح له بالبقاء فى منصبه لتطبيق التغييرات المطلوبة!
***
بعد سقوط مبارك تميز موقف كلينتون من الجيش وحكم المجلس العسكرى بالتذبذب الشديد، وكانت البداية الإشادة بالجيش المصرى عند وصفها «لرده الإيجابى جدا تجاه المتظاهرين السلميين». ثم أظهرت كلينتون قلقا من نوايا المجلس العسكرى وعبرت فى لقاء مع تليفزيون الحرة يوم 14 فبراير على ضرورة وجود جدول زمنى للمجلس العسكرى يعكس رغبته بالسير فى الاتجاه الصحيح تجاه إصلاح دستورى وإجراء انتخابات حرة. ثم ردت كلينتون فى حوار لها مع قناة الحياة المصرية أجرته يوم 29 سبتمبر 2011 عند سؤالها عن تقييمها لأداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة خلال الثمانية أشهر الأولى من حكمه، قائلة: «لقد تولوا مسئولية ضخمة لم يتوقعوا أبدا أنهم سيتحملونها. ولكن الواقع أنهم يتحركون قدما باتجاه الانتخابات، كما أعتقد، فهذا أمر ليس بالمهم فقط، إنما هو أساسى أيضا. إننى أتوقع منهم الوفاء بالوعود التى قطعوها للشعب المصرى».
وغيرت كلينتون موقفها بصورة دراماتيكية وخلال خطابها أمام المعهد القومى الديمقراطى ووضعت المجلس العسكرى فى خانة واحدة مع النظم الحاكمة المقاومة للتغيير وللحرية فى سوريا واليمن. وقالت كلينتون «الحقيقة هى أن أكبر مصدر لعدم الاستقرار فى الشرق الأوسط اليوم ليس المطالبة بالتغيير. إنما هو رفض التغيير. وهذا صحيح بالتأكيد صحيح أيضا فى مصر. وفى حال بقيت القوة السياسية الأقوى فى مصر ممثلة فى مسئولين غير منتخبين، فإنهم يكونون بذلك قد زرعوا بذور الاضطراب للمستقبل، ويخسر المصريون هذه الفرصة التاريخية».
ثم صرحت كلينتون بأن العنف ضد النساء خلال مظاهرات مجلس الوزراء ومحمد محمود لا يليق بالثورة، ويشكل «وصمة عار على من قام به فى إشارة إلى الجيش».
وقالت كلينتون خلال مناقشة جمعتها بوزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، وأدارها الصحفى المرموق تشارلى روز «إن الولايات المتحدة تعتبر من الضرورى أن يفى الجيش بالوعد الذى قطعه للشعب المصرى بتسليم السلطة إلى الفائز الشرعى فى الانتخابات»، وأضافت أن العسكريين الذين يحكموا مصر لم يكفوا عن قول «شىء فى العلن ثم يتراجعوا عنه فى الخفاء بطريقة ما ولكن رسالتنا هى دائما نفسها ــ يجب أن يحترموا العملية الديمقراطية».
***
وفيما يتعلق بقضية المنظمات الأمريكية شبه الحكومية مثل NDI وIRI العاملة فى مصر، فقد ذكرت كلينتون خلال مؤتمرها الصحفى مع وزير الخارجية المصرى فى 25 سبتمبر 2011 «لقد تعلمنا من الممارسة الطويلة إنه عندما يكون لديك عملية انتقال ديمقراطى، فإن العديد من الناس يريدون أن يكونوا ناشطين فى الحقل السياسى. لكنهم يجهلون كيفية القيام بذلك. ولا يعرفون كيفية تسجيل الناخبين. ولا يعرفون كيفية تشكيل الأحزاب السياسية. ولم يكن ذلك جزء من التجربة التى شكلت الحياة اليومية للمصريين. لذلك، لدينا العديد من المنظمات التى عملت عبر العالم أجمع وتستطيع المساعدة». وحول إذا ما كانت أنشطة المنظمات الأمريكية العاملة فى مصر هى أعمال غير قانونية، وأن عددا منها غير مسجل، وتعمل خارج إطار القوانين والأنظمة المصرية، ذكرت كلينتون «إننا نرغب أن تكون منظماتنا غير الحكومية مسجلة، ونرغب أن تكون خاضعة للقوانين المصرية»، وألقت كلينتون باللوم على الحكومة المصرية لرفضها فى منح هذه المنظمات تصاريح واضحة لممارسة أعمالها داخل مصر.
***
يعكس ما سبق ذكره مواقف مختلطة لكلينتون تجاه الثورة المصرية. ولا يمكن بسهولة الادعاء أن كلينتون دعمت أو عادت الثورة، أو أنها دعمت أو عادت المجلس العسكرى. المؤكد أن كلينتون كانت براجماتية ومحافظة فى مواقفها بما كانت تراه خدمة للمصالح الأمريكية، وأثر عمرها (69 عاما) وخبرتها الطويلة فى تبنى مواقف محافظة عند مقارنتها بمن هم أصغر سنا داخل إدارة أوباما مثل سامانتا باور (46 عاما) على سبيل المثال. ولا يمكن القفز الآن وإطلاق أحكاما عامة نهائية على توجهات الرئيسة هيلارى كلينتون عند وصولها للبيت الأبيض، فالموقف الرسمى من مصر سيكون شديد التعقيد، وقد يتوقف كثيرا على ما قد يقوم به النظام المصرى خلال الأشهر الستة المقبلة. وعلينا الالتفات إلى أن أهم مستشاريها للسياسة الخارجية هو جاك سوليفان الذى يبلغ من العمر، 39 عاما فقط، ويعرف مصر جيدا.