نشر الموقع الإلكترونى لجريدة الحياة مقالا للكاتب حازم الأمين يتناول فيه التطورات الأخيرة فى البصرة، وهل ما يحدث فيها ثورة، أم أنه سيتحول ليصبح حرب أهليه، وجاء فيه:
«ثورة فى البصرة». هل يكفى ذلك لكنى نغبط أنفسنا نحن الذين أدمتنا الثورات لشدة انجذابنا وحماستنا لها؟ ثم إن الثورة هناك على من؟ على الفساد؟ ما هو الفساد ومن هو الفاسد فى العراق؟ وما هى القوى غير الفاسدة التى من المفترض أن تكون الوعاء الذى سيحول الثورة إلى شرطٍ سياسي؟
لقد فشلت الثورات العربية، والاستثناء التونسى له شروطه غير المتوافرة فى كل البلدان العربية. وإذا كان الفشل نصيب الثورات فى سوريا واليمن وليبيا، فأسبابه فى العراق مضاعفة. ففى تلك البلدان قامت الثورات وفشلت وكان خصمها واضحا وكانت مهمتها أيضا واضحة، ومن كان يجب إسقاطه كان نظاما على رأسه ديكتاتور وسلطة محددة وعلاقات فاسدة. فى العراق لا يبدو أن شرطا واحدا من هذه الشروط متوافر. من هو المستهدف بالثورة؟ إيران؟ القوى الطائفية؟ لا شيء واضحا. وبهذا المعنى فإن الفشل الذى كان نصيب الثورات فى تلك البلدان متوافر فى العراق على نحو مضاعف، ولهذا أيضا يبدو التصفيق لـ «الثورة فى البصرة» ضربا من العماء وجدنا أنفسنا منجرين إليه، نحن عبّاد «الشعوب»، ومنزّهى الثورات، والمتعامين عن الحروب الأهلية التى تختبئ خلفها.
هاجم المتظاهرون القنصلية الإيرانية فى البصرة، إذا هى ثورة ضد النفوذ الإيرانى! هنا علينا أن نضاعف تصفيقنا للمتظاهرين. لكن المدينة أعطت أصواتا كثيرة لحلفاء إيران فى الانتخابات النيابية التى جرت قبل أشهر قليلة. هاجم المتظاهرون مراكز الأمن والمقار الحكومية، وهذه على رأسها اليوم رجل لا تريده إيران هو حيدر العبادى! فكيف يستقيم ما اعتقدناه، لجهة أن الثورة فى البصرة ضد إيران؟
ثم إن على المصفق لـ «الثورة فى البصرة» أن يسأل نفسه فعلا عن احتمال انتصار الثورة وعن النصاب السياسى الذى سيعقب هذا النصر. فلنطلق لخيالنا العنان ولنفترض أن ثورة البصرة تحولت إلى ثورة فى كل العراق، وأسقطت هذه السلطة! فهل من قوى سياسية واجتماعية يمكن أن تحل محل السلطة الراهنة؟ وهل هى من خارج المشهد الطائفى والقومى الذى يعصف بالعراق ويوزعه مغانم على قادة المذاهب والعشائر والقوميات؟
الثورات العربية نجحت فى إسقاط الأنظمة وفى تهديدها. حتى فى سوريا، نجح الناس فى القول إنهم لا يريدون هذا النظام. المشكلة الرئيسة فى فشل هذه المجتمعات وفى عجزها عن إنتاج قوى حاملة لهذا التغيير ومحولة إياه إلى إنجاز «وطني». وإذا كان الإخوان المسلمون هم أفق الفشل الذى لاح فى معظم بلدان الثورات، فإن هذا الأفق على رغم بؤسه غير متوافر للعراق. فالمشهد الاجتماعى والمذهبى هناك منعقد على نحو مختلف والبحث عن «إخوان شيعة» سيفضى بنا إلى «حزب الدعوة»، والأخير هو الآن فى السلطة ولا يعقل أن يُعاد تنصيبه بعد ثورة عليه.
فى لبنان انخرطنا بما توهمنا أنه ثورة على احتلال النظام السورى بلدنا فى العام ٢٠٠٥، فأخرجنا الجيش السورى وأحللنا مكانه «حزب الله»، بعد أن تولى قادة الطوائف زمام «ثورتنا».
الانقضاض على الثورات مهمة أسهل من الثورات أنفسها فى مجتمعات الحروب الأهلية التى نعيش فى ظلها. والثورة على السلطة الفاسدة والقاتلة يجب أن تسبقها ثورات على البنية الاجتماعية التى كانت شريكا فى إنتاجها. «حزب الدعوة» هو بديل «حزب الدعوة» فى العراق، تماما مثلما كان «المؤتمر» هو بديل «المؤتمر» فى اليمن، أو فى أحسن الأحوال «الإصلاح» (الإخوان المسلمون) هم البديل. فى سوريا أيضا قفز الإسلاميون إلى صدارة المشهد فمثلوا البديل، ما سهّل القضاء على الثورة، وفى مصر حصل ما هو موازٍ!
يجب أن نتمهل قبل أن نبدأ بالتصفيق لـ «الثورة فى البصرة». لا يكفى أن نكره هذا النظام وأن ندرك حجم ارتهانه وفساده لكى نؤمن بثورة عليه. ماذا لو كانت نتيجة تفكيرنا بأن نظام ما بعد الثورة سيكون أسوأ، أو سيكون حربا أهلية هائلة؟
العراق يحتاج إلى خطوات كبيرة يجب أن تسبق الثورة، هى السبيل إلى تفادى تحول الثورة إلى كارثة.
الحياة ــ لندن