الصورة التى جمعت وزير خارجيتنا الدكتور بدر عبدالعاطى أمس الأول السبت مع وزيرى الخارجية الصومالى أحمد معلم مفتى والإريترى عثمان صالح محمد، شديدة الأهمية.
الصورة منشورة فى الصفحة الأولى فى مانشيت «الشروق» أمس الأحد، وفيها يقف الوزراء الثلاثة مبتسمين ومترابطى الأيدى.
ومن المهم أن يستمر التنسيق والتعاون بينهم، ولا يتوقف فقط عند مجرد الصورة.
ترجمة هذه الصورة فعليا على الأرض تحتاج إلى جهد كبير.. وأن هناك قوى كثيرة ستحاول تفريغ وتخريب جوهر هذه الصورة من محتواها.
نتذكر أن هناك صورة مماثلة بل أقوى كانت فى أسمرة أيضا بين رؤساء الدول الثلاث عبدالفتاح السيسى وأسياسى أفورقى وحسن شيخ محمود فى العاشر من أكتوبر الماضى.
وشهد العام المنصرم أكثر من قمة جمعت الرئيس عبدالفتاح السيسى بنظيريه الصومالى والإريترى فى القاهرة. والبيانات المشتركة الصادرة عن هذه القمم والاجتماعات المختلفة كانت تؤكد دائما على تعزيز التعاون بين البلدان الثلاثة وتعزيز الأمن فى منطقة القرن الإفريقى.
الملفت فى اجتماع أمس فى قصر التحرير هو قول عبدالعاطى أنه لا يمكن على الإطلاق القبول بأى تواجد لأى دولة غير مشاطئة بالبحر الأحمر سواء كان هذا التواجد عسكريا أو بحريا. وأظن ان الرسالة شديدة الوضوح لكل من يهمه الأمر.
والمعروف أن إثيوبيا صارت دولة حبيسة بلا سواحل بعد استقلال إريتريا عنها أوائل التسعينيات من القرن الماضى.
فى هذا الاجتماع أيضا كان هناك تأكيد على دعم مصر وإريتريا لوحدة وسيادة وسلامة الأراضى الصومالية فى بسط سيطرتها على كامل التراب الوطنى ومكافحة الإرهاب وتعزيز دور الجيش الوطنى الصومالى، وكذلك رفض أية إجراءات أحادية الجانب تمس وحدة أراضى الصومال.
الملفت للنظر أنه فى نفس يوم انعقاد اجتماع القاهرة زار الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود أديس أبابا وتم الاتفاق على عودة العلاقات وتعزيزها ومتابعة اتفاق التهدئة مع إثيوبيا الذى جرى توقيعه فى العاصمة التركية أنقرة فى 12 من ديسمبر الماضى، بعد عام من التوتر فى علاقة البلدين بسبب الاتفاق الإثيوبى مع إقليم أرض الصومال المتمرد على إقامة قاعدة بحرية عسكرية وميناء تجارى على البحر الأحمر ما يعنى الاعتراف بانفصال هذا الإقليم عن الدولة الصومالية، وتقوية سيادته، وهدد بطرد القوات الإثيوبية العاملة فى قوات حفظ السلام الموجودة على أراضيه.
قد يكون الحدثان السابقان متناقضان، لكن الموقف المصرى المعلن دائما أن علاقته الجيدة مع الصومال وإريتريا لا ينبغى تفسيرها على أنها موجهة ضد إثيوبيا..
مصر وافقت على إرسال قوات رمزية إلى الصومال بناء على قرار وترحيب من مفوضية الاتحاد الإفريقى الموجود مقرها فى العاصمة أديس أبابا، ومصر وافقت على إرسال مساعدات أمنية متنوعة إلى الصومال فى إطار اتفاق رسمى بين البلدين على أعلى المستويات، وبالتالى فإن الذعر الإثيوبى المستمر ليس له أى محل من الإعراب.
والغريب أن إثيوبيا، التى ملأت الدنيا صراخا من مجرد اجتماعات مصرية صومالية إريترية كانت تريد أن تعترف بإقليم أرض الصومال المنشق وتقيم قاعدة بحرية هناك، وفى الوقت نفسه، تستمر قواتها فى الصومال، بل ترفض أى مشاركة مصرية فى قوات حفظ السلام، بحجة أن ذلك سيزيد من الصراعات فى الصومال.
السؤال المنطقى الذى يتبادر لأذهان كثيرين هو: لماذا كل هذه الضغوط الإقليمية والغربية على الصومال لاستمرار وجود القوات الإثيوبية هناك؟
الإجابة من وجهة نظرى هى أن الدول الغربية الكبرى تنظر إلى إثيوبيا باعتبارها أحد المرتكزات الغربية الكبرى فى القارة الإفريقية، بل أحيانا تؤدى وظيفة «الوكيل الغربى» مثل إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط. وبالتالى فإن الغرب يضغط على الصومال من أجل استمرار التواجد الإثيوبى العسكرى بحجة محاربة حركة الشباب المتطرفة مستخدما ورقة تمويل هذه القوات، فى حين أن المصلحة الإثيوبية الفعلية هى استمرار حركة الشباب حتى يستمر مبرر وجود قواتها، وهو نفس المبرر الذى تستخدمه أمريكا للتواجد فى المنطقة العربية عسكريا.
ومن المؤسف أن دولا إقليمية تدعم هذا التوجه، وتحارب المصالح المصرية علنا.
علينا أن نستمر فى دعم الأشقاء فى الصومال وإريتريا، وعلينا أن نتمسك بوجودنا فى بعثة الاتحاد الإفريقى الجديدة فى الصومال «Aussom»، وأن تستمر دورية انعقاد اللقاءات بين مصر والصومال وإريتريا، علينا ألا نصاب باليأس وننسحب من هناك، وألا نترك الساحة خالية أمام العديد من القوى التى تحاول الانفراد بهذه الساحة شديدة الأهمية للأمن القومى المصرى.