مع جوليا ومينا فى نزلة حنا - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:40 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مع جوليا ومينا فى نزلة حنا

نشر فى : الإثنين 12 يونيو 2017 - 9:50 م | آخر تحديث : الإثنين 12 يونيو 2017 - 9:50 م
جوليا طفلة عمرها 5 سنوات شهدت المذبحة المروعة التى ارتكبها الإرهابيون بحق الشهداء الأقباط الذين كانوا فى طريقهم من المنيا إلى «دير الأنبا صمويل المعترف» يوم الجمعة 26 مايو الماضى.
قابلت جوليا صباح يوم الجمعة الماضى فى بيتها بعزبة أو نزلة حنا مركز الفشن بمحافظة بنى سويف خلال زيارة لأسرتها بصحبة وفد صغير نظمته الدكتورة منى مينا وكيلة نقابة الأطباء وضم أطباء ومحامين وصحفيين هما العبد لله وزميلى محمد سعد عبد الحفيظ مدير تحرير «الشروق» وعضو مجلس نقابة الصحفيين.
كنا سبعة أشخاص ولم نتمالك أنفسنا وأجهشنا جميعا بالبكاء ونحن نقابل هذه الطفلة الصغيرة التى شاءت الأقدار أن تشهد مقتل شقيقها الأكبر بيشوى 24 سنة أمام عينيها داخل الأتوبيس.
أغلب الظن أن جوليا بحكم سنها الصغيرة، لا تدرك طبيعة ما حدث، حتى الآن، ولا نعرف بأى طريقة حفظت وخزنت هذا المشهد فى ذاكرتها، خصوصا أن كل ملابسها قد غرقت فى دماء شقيقها وأقاربها، لكن المؤكد أن والدتها لن تنسى ولن تغفر أبدا للقتلة، وهى تراهم يقتلون ابنها الأكبر بدم بارد وبرصاصة فى منتصف عينيه لمجرد أنه سأل أحد الإرهابيين لماذا تقتلوننا؟، فقال له: لأنكم كفرة، فرد عليه بيشوى: «لسنا كفرة.. نحن مسيحيون»، وبعدها كانت الطلقة القاتلة.
الأم قصت لنا المشهد المرعب، وهى تتكوم ومعها ابنتها وابنها طوال دقائق مرت كدهر كامل تحت كراسى الأتوبيس حتى لا يراهم الإرهابيون الذين كانوا يمطرون الأتوبيس بالرصاصات من كل جانب، بعد أن تمكنوا من إيقافه عبر استهداف إطاراته.
ومن نزلة حنا فى الفشن توجهنا إلى قرية دير الجرنوس فى مركز مغاغة بالمنيا، بعد مرور سريع على مطرانية مغاغة. من هذه القرية الصغيرة سقط سبعة شهداء هم الذين كانوا يستقلون السيارة ربع النقل فى طريقهم إلى الدير، لم يكونوا ضمن الزوار الموجودين فى الأتوبيس، بل عمال بسطاء يصنعون الأجراس.
وبعد أن أجهز الإرهابيون على ركاب الأتوبيس فوجئوا بأن هناك سيارة ربع نقل تأتى فى اتجاههم. أوقفوها وأنزلوا جميع من فيها، وسألوهم عن بطاقات الهوية. وعندما عرفوا أنهم مسيحيون قاموا بإعدامهم بدم بارد أيضا.
اثنان فقط نَجَوَا من هذه المذبحة هما ابنا سائق السيارة عايد حبيب؛ الطفل الصغير ويدعى مينا وعمره عشر سنوات وشقيقه الأكبر مارك وعمره 14 سنة. يقول مينا: كان هناك إرهابيان يقفان بجانب السيارة بعد أن قتلا الكبار. أحدهما أراد قتلنا، لكن الآخر قال له اتركهما.
انطلق الإرهابيان بعد أن قتلا أربعة آخرين فى سيارة تويوتا مزدوجة الكابينة كانت فى طريقها للدير أيضا تقل أحد المقاولين المتعاملين مع الدير.
الطفل مارك اكتشف أن والده لم يمت بعد، حاول أن يرفعه من الأرض ليضعه فى السيارة، فلم يستطع هو وأخوه مينا. ركب مارك السيارة وهو لا يعرف القيادة، لكن غريزة البقاء جعلته يقودها. حتى وصل إلى الكمين القريب من بداية الطريق الصحراوى الغربى. طلب من رجال الشرطة إنقاذ والده، فلم يتلق إجابة سريعة. فحكى القصة لصاحب سيارة ملاكى، فذهب معه وأحضر والده وبقية الجثامين، لكن والده مات فى الطريق.
فى يوم الجمعة شاهدت جوليا ومينا وكل أسرهما أو بالأحرى ما تبقى منها. كانت لحظات يصعب وصفها مهما كانت الكلمات وبلاغتها. السؤال الذى كان يلح على طول الوقت: ما ذنب هؤلاء الأطفال؟، وكيف يمكن لشخص سوى حتى لو كان بلا دين أن يقتل ويروع الناس بهذه الطريقة؟!
لسوء الحظ أن الإرهابيين الذين ارتكبوا هذا الحادث الإجرامى والحوادث المماثلة الأخرى لا يعرفون حجم الجريمة التى يرتكبونها بحق الإسلام وسمعته.
المطلوب من المجتمع أن يقف بجانب أهالى الضحايا المكلومين بصورة حقيقية وصادقة، وليست تليفزيونية ووقتية، لأن الجرح صعب والمصاب أليم، والإرهابيون نجحوا للأسف فى إحداث شرخ نرجو ألا يتسع. وللحديث بقية.

 

عماد الدين حسين  كاتب صحفي