لا نعرف متى ستدرك وتقتنع قيادات وأنظمة الحكم فى أقطار مجلس التعاون الخليجى بضرورة مراجعة أهداف ووسائل عمل المجلس، ومن ثم وضع استراتيجية تنسيقية تضامنية، إن لم تكن وحدوية كما نص نظام المجلس عند تأسيسه، وذلك كاستجابة لمواجهة تحديات ومشاكل وطنية وإقليمية وعولمية قادمة فى المستقبل القريب.
سنكتفى بذكر بعض منها من أجل توضيح حجم وتعقيدات وأخطار بعض من تلك التحديات والمشكلات.
هناك موضوع مصير الدولار الأمريكى فى المستقبل القريب، وذلك على ضوء الانقسامات والصراعات الحادة، الاقتصادية منها والسياسية والأمنية، فيما بين الدول والكتل العالمية الكبرى. ألا تريد دول مجلس التعاون، التى ارتبطت عملاتها وسياساتها البترولية بالدولار عبر عقود طويلة، أن تستعد لمواجهة تأثيرات ذلك المصير على عملاتها واقتصاداتها المترابطة المشتركة إلى أبعد الحدود؟ هل ستنتظر إلى أن ينفجر الموضوع برمته فى وجهها ويؤدى إلى كارثة جماعية؟ هل ستترك الأمر لكل دولة لتواجه ذلك الأمر لوحدها، وبالتالى تواجهه بعجز وقلة حيلة؟
هناك موضوع السياسات الخارجية المشتركة تجاه دول الإقليم، وعلى الأخص الكيان الصهيونى المتعجرف اليمينى المتطرف وهو يتحدى ويحتل ويقتل ويتوسع، وتجاه التضامن العربى المشترك، وتجاه ما يجرى فى العالم من صعود للبعض وهبوط للبعض الآخر. هل سيظل المجلس يتعامل مع هذا الملف كما تعود عبر العشرين سنة الماضية، من حيرة وتردد وترك الأمور لشتى الأهواء والقرارات الخاطئة، أم سيصر على جعل هذا الموضوع جزءا من استراتيجية خارجية مشتركة تحمى الجميع وتعزز مكانة الجميع ويوقف من يتجرأ على إدخال الجميع فى متاهات الجنون والعبث؟
هناك موضوع ثنائية البطالة / التجنيس العشوائى الذى لن يحل إلا كمشروع مشترك، وذلك قبل أن يصبح الخليج العربى غير عربى، هوية وقومية ودينا وجزءا من وطن عربى واحد ذى مصير واحد. متى سيدرك القادة أن أى خطأ يرتكب فى هذا الموضوع من قبل أحد أقطار المجلس سينقلب وبالا على الجميع فى المستقبل؟
هناك الأهوال والمخاطر التى ستأتى بها التطورات العلمية والتكنولوجية لعالمنا كله. هل ستقوم دول المجلس مجتمعة بالإعداد لمواجهة كل سلبياته وتعقيداته، أم سيترك الأمر لدول القوة والجبروت لتفرض على دول المجلس الرضوخ التام لكل ما تقرره الدول الكبرى، وعلى الأخص الاستعمارية منها؟ هل سيتوقف المجلس عن تجاهل هذا الموضوع إلى أن ينفجر مستقبلا فى وجه مكوناته ويأتى بالدمار لكل مناحى الحياة فى هذه المنطقة؟
يستطيع الإنسان أن يأتى بعشرات الأمثلة الأخرى التى ستنتظر مواجهتها مستقبلا من قبل دول المجلس مجتمعة. وهى ستحتاج أن تدرس وتمحص ويجرى الاستعداد الوقائى المبكر لمواجهتها.
وفى الحال يجب التأكيد، دون لف أو دوران، بأن مواجهة كل ذلك ستكون أعقد من أن تترك للسياسيين الرسميين وحدهم. ستحتاج تلك المواجهة لعلماء وبحاثة ومفكرين يستدعون من قبل المجلس ليقدموا المقترحات العلمية الموضوعية الصحيحة، وذلك على ضوء تخصصاتهم العلمية وبمساندة من مراكز بحوث تابعة للمجلس.
من هنا الأهمية القصوى لما قلناه فى البداية من ضرورة مراجعة مكونات ووسائل عمل أمانة المجلس لتصبح أكثر من سكرتارية وواجهة إعلامية. وهذا بالطبع موضوع كبير.
لن يحدث تقدم أو نجاح فى مسألة وجود المجلس ومهماته ومكوناته وطرائق عمله إلا إذا حدث تغير فى فهم معنى وأهمية والضرورات الوجودية لهذا المجلس. وبصراحة لا نعرف إن كانت القيادات وأنظمة الحكم قادرة على إحداث هذا الانتقال الفكرى والتخطيطى بشأن عمل المجلس.
لكننا، مع الكثيرين غيرنا، نقول لهم بأنهم جميعا سيواجهون الأهوال والاضطرابات الكبرى إن لم يبدأوا فى الحال بمناقشة هذا الموضوع، لا بصورة روتينية إعلامية سطحية مجاملة، ولكن بصورة قرارات مبنية على أفكار ونصائح ومشاركة عميقة من قبل أهل الثقافة والفكر والعلم، وبشرط بمشاركة من أبناء المنطقة وليس من قبل شركات الخارج الانتهازية التى لن تكون إلا بوق أسيادها من الاستعماريين والصهاينة.
كل كلمة قلناها عن تجديد مهمات مجلس التعاون تنطبق على الجامعة العربية وتتطلب عمل الاثنين. وهذا موضوع للمستقبل.