الحرب على غزة.. البيئة تباد كما البشر - نصاف براهمي - بوابة الشروق
السبت 13 سبتمبر 2025 9:01 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

الحرب على غزة.. البيئة تباد كما البشر

نشر فى : الجمعة 12 سبتمبر 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الجمعة 12 سبتمبر 2025 - 7:50 م

تؤدى الحروب إلى تدهور بيئى سريع ويتم إلحاق أضرار مباشرة بالنظم الإيكولوجية الحيوية، وعلى مدى العقود الأخيرة وقعت حروب عديدة فى مناطق التنوع البيولوجى وربما هذا ما دفع الأمم المتحدة إلى إعلان يوم 6 نوفمبر من كل سنة اليوم الدولى لمنع استغلال البيئة فى الحروب والنزاعات المسلحة.

منذ بداية حرب الإبادة التى يشنها الكيان الصهيونى على غزة تعالت الأصوات التى تعتبر ما يحدث فى غزة يرتقى إلى مستوى الإبادة البيئية (Ecocide) باعتباره دمر بشكل مقصود مستلزمات عيش الأجيال القادمة، بما فيها موارد المياه والتربة والأراضى الزراعية والمناطق السكنية والهواء.

والإبادة البيئية كما عرفتها المحامية المدافعة عن البيئة بولى هيجينز Polly Higgins هى «الضرر الواسع النطاق أو التدمير أو فقدان النظام البيئى فى منطقة معينة، سواء من خلال العمل البشرى أو لأسباب أخرى، إلى الحد الذى يجعل التمتع السلمى من قبل سكان تلك المنطقة يتضاءل أو سوف يتضاءل بشدة».

خصص منتدى البدائل العربى للدراسات حلقة بودكاست مهمة عن الإبادة البيئية (Ecocide) والإبادة المكانية Urbicide تحت عنوان غزة بعد الحرب عن أى إعادة إعمار نتحدث.

فى تقرير له قال برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن التأثيرات البيئية للحرب فى غزة غير مسبوقة مما يعرض المجتمع لمخاطر التلوث المتزايد بسرعة فى التربة والمياه والهواء، فضلًا عن مخاطر الأضرار التى لا يمكن إصلاحها للنظم البيئية الطبيعية

لكن لا شك أن هذا التقرير سيظل دون جدوى، إذا لم يعقبه تعاون دولى للضغط على الاحتلال لتأمين إجراء تحقيقات ميدانية مدقّقة، لمعالجة الأثر البيئى للحرب على غزة، ومواجهة ضررها طويل المدى، بما فى ذلك الجهد اللازم لضمان الاستدامة البيئية والتعافى وإعادة الإعمار. لكن هذا التقرير الأولى لتقييم الدمار البيئى للحرب على غزة، قد يشكل مدخلًا مهمًا للتقييم النهائى والشامل فى اليوم التالى للحرب.

• • •

فما هى مختلف الأضرار الحاصلة على البيئة فى غزة والتى ترتقى إلى مفهوم الإبادة البيئية؟ بادئ ذى بدء أضرار الحرب على قطاع المياه، حيث يعانى قطاع غزة من أزمة موارد مائية بسبب الاحتلال قبل بداية الحرب الأخيرة، لكن هذه الحرب أدت إلى تفاقم الوضع بطرق عدة منها انهيار معالجة مياه الصرف الصحى خلال هذه الفترة الأمر الذى أدى إلى تسريع التلوث فى طبقة المياه الجوفية الأساسية التى تمثل المصدر الأساسى فى القطاع والذى يعتمد عليه السكان لتلبية احتياجاتهم المائية للمختلف الأغراض المنزلية والزراعية والصناعية. لحقت بالبنية الأساسية لشبكات المياه أضرارا جسيمة منذ بداية العدوان المستمر إلى اليوم منذ أكتوبر 2023، حيث تم تدمير أكثر من 40٪ من شبكات المياه وتعطلت المحطات الرئيسية للضخ وعانى السكان من ندرة شديدة للمياه مما اضطر بعضهم خاصة من النازحين فى المدارس إلى استعمال مياه البحر للاستحمام وأحيانا حتى للشرب بالإضافة إلى أن محطات تحلية المياه الموجودة فى القطاع أصبحت إما خارج الخدمة بعد أن دمرها القصف أو تعمل بشكل محدود للغاية بسبب نقص الكهرباء والوقود.

ونتيجة لذلك يعيـش سكان غـزة فـى نـدرة مياه شـديدة وقـد أجبـرت هـذه الظروف الصعبة المواطنين والمجتمعـات المحليـة فى غزة على البحث واللجـوء إلـى إمدادات مياه الشرب غير الصحية وغير الآمنة، بما فـى ذلـك المياه المالحة والمياه الملوثة من الآبار، أو إلـى جمع المياه فى صفائح ومن أسطح المنازل أثناء هطول الأمطار.

نتيجة تدمير شبكات الصرف الصحى ومحطات معالجة المياه التى توقفت عن العمل الأمر الذى يسمح بتسرب المياه العادمة إلى الخزان الجوفى، ومن المتوقع أن يزداد حجم تلوث المياه الجوفية، ومن المخاطر البيئية المستقبلية على الخزان المائى الجوفى هو التلوث البيئى الناتج عن المقذوفات والمواد الكيماوية الخطيرة المختلفة التى تم استخدامها والتى انتشرت فى الهواء وتراكمت على سطح الأرض واختلطت بالتربة، خصوصًا بعد تسرب هذه المواد بفعل الأمطار.

 • • •

ثم تأتى أضرار الحرب على الأراضى والزراعة، فقد أجرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) ومركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية تقريرا، وفق تقييم جغرافى مكانى، أفاد بأن أكثر من 80% من إجمالى مساحة الأراضى الزراعية فى قطاع غزة قد تضرر، حتى أبريل 2025، وأصبح 77.8% من الأراضى غير متاحة للمزارعين، ما يترك 688 هكتارًا فقط (4.6 بالمائة) متاحة للزراعة. وحسب نفس التقرير يعتبر الوضع صعبًا جدًا فى رفح والمحافظات الشمالية، حيث لا يمكن الوصول إلى جميع الأراضى الزراعية تقريبًا. من المخاطر الكبيرة أيضًا استعمال سلطات الاحتلال قنابل خارقة للتحصينات (bunker-buster) بهدف تدمير الأنفاق ما ينتج أضرارًا على التربة وطبقات الأرض، إضافة إلى تلوث الهواء بكثير من المواد الكيميائية والخطيرة التى ستؤدى حتما إلى ارتفاع نسب التلوث المرتفعة أصلًا، بالإضافة إلى الأضرار البالغة جراء انتشار المواد الخطرة، وكذلك النفايات الطبية والمعدنية وتحلل الجثامين وتراكم لبقايا الكائنات الحية، حيث تشير التقارير الدولية، والتى أقرت بوجود آلاف الجثث التى لم تنتشل من تحت الأنقاض ما أدى إلى تحللها وتعفنها نتيجة للعمليات العسكرية المستمرة وشلل المنظومة الصحية عن العمل.

بسبب العدوان المستمر بينت التقارير الحديثة تغيرات كبيرة تفى بأن المناطق الزراعية لم تعد صالحة للزراعة مثلما تم رصدها عبر الأقمار الصناعية، وهو ما يعنى تدهور القطاع الزراعى وتأثيرات هذا على صحة السكان وعلى غذائهم ويفسر حجم المجاعة التى يعرفها سكان القطاع اليوم خاصة فى ظل الحصار الشديد. إذا فإن الدمار الذى لحق بالأراضى فى القطاع أسبابه مختلفة بعضها تدهور نتيجة الأعمال العدوانية من تجريف وتدمير للأراضى والحرائق وبعضها، بسبب تراكم النفايات والردم أو الأسلحة الكيمياوية والفسفور الأبيض.

• • •

وكذلك تلوث الهواء والإشعاعات، فللحروب السابقة التى شنها الاحتلال على قطاع غزة والحرب الحالية آثار كبيرة على تلوث الهواء، بسبب أضرار العمليات العسكرية حيث يتم استخدام المتفجرات والأسلحة شديدة الخطورة وتدمير المبانى الذى يؤدى إلى احتراق المتفجرات والمواد الموجودة فى المبانى وبالتالى إطلاق ملوثات مختلفة فى الهواء. ففى هذا العدوان المستمر منذ قرابة السنتين أمام أنظار العالم استعمل جيش الاحتلال أنواعا مختلفة من الأسلحة لعل أخطرها الفسفور الأبيض الذى يسبب حرائق تدمر المبانى والممتلكات وتقتل النباتات والحيوانات، أما مخاطره على الإنسان فإن حروق الفسفور الأبيض قد تتجاوز 10% من جسم الإنسان غالبا ما تكون قاتلة كما قد تتسبب أيضًا فى تليف للجهاز التنفسى وفشل أعضاء الجسم.

بالإضافة إلى المواد الكيمياوية المستعملة فى التفجيرات فإن الأنقاض التى خلّفها العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة قد تولد أكثر من 90 ألف طن من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، وقد تستغرق إزالتها ومعالجتها ما يصل إلى 4 عقود من الزمن، حسب الخبراء، وهو ما يعنى أن تأثير هذه الحرب بيئيًا لن يكون فقط على غزة بل على كل المنطقة.

 

نصاف براهمي باحثة من تونس- تعمل في منتدى البدائل العربي للدراسات (بيروت)
التعليقات