حوار أوكرانى مع صديقى الألمانى - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 4:31 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار أوكرانى مع صديقى الألمانى

نشر فى : الأحد 13 مارس 2022 - 6:15 م | آخر تحديث : الأحد 13 مارس 2022 - 6:15 م
أين تقع أوكرانيا؟ قبل أسابيع كان الكثيرون لا يعرفونها ربما إلا عبر بعض نكاتهم السمجة التى ما لبثوا وأن نشروها وطبول الحرب تقرع عند أبواب مدنها، والعالم ينقسم أكثر وأكثر إلى معسكرات عدة ربما أو يبقى ذاك المعسكر نفسه متمسكا بنفس المقولات والمناشدات والتهديد والوعيد، والطرف الآخر لا يقل عنه قدرة على التهديد والوعيد، وربما هو أضعف فقط فى توافر هذا الكم من وسائل التواصل والإعلام التى يسيطر عليها الفريق الأول، إن لم يكن بشكل مباشر عبر «أعوانه» أو «أتباعه» أو الخائفين منه!!
• • •
الحروب هى الحروب، والبشر هم البشر، أو هكذا تصورنا، والوجع أيضا لا يمكن أن يعرفه إلا من كابد وجع القصف والتشرد والبحث عن ملجأ أو حتى خيمة، فيما الطائرات والأسلحة «الحديثة» والمتطورة تطارد الأطفال والنساء والرجال الفارين من حرب لم يتصوروا أنها بهذا القرب.. والمشهد هذا تغص به محطات التلفزة ونشرات الأخبار، أما على وسائل التواصل فهناك أصوات أخرى لأن هنا يستطيع الفرد أن يجد مساحة لصوته ورأيه غير المسموح له فى تلك المحطات والنشرات.. هنا كثير من الأفارقة والعرب معهم وآخرون من غير ذاك العرق أو الجنس أو الجنسية.. هنا شاب يقول أنا وغيرى عالقون بين قذيفة وأخرى وبين حدود أوكرانيا وبولندا لأنه لم يسمح لهم العبور قبل الأوكرانيين.. ربما فى الحديث بعض المبالغة ربما أو حتى سيطرة عامل الخوف التى تدفع الفرد منا للتوسل للمساعدة واستخدام كل الأساليب ربما أيضا؟ ولكن عندما يتصدر خطاب التمييز والعنصرية مقدمى النشرات والمراسلين الأجانب على الأرض الأوكرانية العواصم الأوروبية والمدن الأمريكية يتحول المشهد إلى شيء من الاستغراب ثم تأكيد الكثير من النظريات التى كنا نأمل أن تكون خاطئة وأهمها أن حقوق الإنسان والدعوة لاحترام البشر فى كل مكان دون التمييز بينهم حسب الجنس أو العرق أو اللون أو العقيدة هى مجرد شعارات تستخدم هنا وهناك عند الحاجة وحسب المصالح السياسية والاستراتيجية والاستعمارية أيضا!!
• • •
ليس المثير أن الإعلام الغربى وكثير من الإعلام المسمى عربى عنصرى ويقوم بالتمييز والتفرقة علانية وعلى رءوس الأشهاد كما يقال، ولكن الأكثر إثارة أن من يتحدث عن ذلك أو يوجه إليه الملاحظة يتهم بأنه هو العنصرى وأنه متواطئ مع موسكو وموافق على عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا.. هم أيضا وكعادة الإعلام «الحداثى» يحاولون أن يسلطوا ــ كما كاميراتهم ــ الأضواء على مقتطفات من العملية والتاريخ ولا يعطون الرواية الكاملة فيتحول المشهد إلى شكل من العبثية إن لم يكن الجنون.
• • •
فجأة وسط كل ذلك يخرج صديقى الألمانى من صمته الطويل بعد أعوام من تركه منصبه الدبلوماسى رفيع المستوى فى ذلك البلد العربى، والانتقال إلى بلد آخر لا يقل حضارة وعراقة وتاريخا معطرا بكثير من العلم والثقافة والفنون.. وبعد السؤال عن الأحوال والأوضاع «والذى منه» مما يقال للبدء بحديث أكثر حساسية، يقوم بطرح الأسئلة عن أوكرانيا، وبنبرة لا تخلو من الفزع من القادم وتأثيره على البشرية ومستقبلها يسألنى هل كنت تتوقعين أن يحدث هذا؟ بكثير من السذاجة ربما أو الإيمان بأن صديقى الدبلوماسى العريق الذى عاش بيننا لسنوات عدة يدرك معنى أن تسأل عربيا عن الحروب ومعناها فى منطقة لم تعرف سواها لسنين عدة على اختلافها وتنوعها، ومنطقة تعانى من احتلال منذ أكثر من 73 سنة.. هنا وعندما عرج الحديث بيننا على نظرة سريعة لما حدث من تشريد وتجويع وحصار على كثير من البشر فى مناطق عدة، هنا ثار غضب الصديق وتحول من الدبلوماسية المعهودة لدى كثير من الأوروبيين إلى نبرات الغضب المغمسة بكثير من الخوف.. أثار غضبه تشبيه الحالة بفلسطين الدولة الوحيدة التى تقبع تحت الاحتلال حتى الآن على هذه الأرض. أما تشبيه معاناة الأوكرانيين بتلك التى مر بها السوريون واليمنيون والليبيون والعراقيون والأفغان وكثير من الأفارقة الآسيويين وغيرهم من شعوب الكون، فهذا ما أثار غضبه الشديد وصار يصرخ بأعلى صوته «لماذا تأتون بفلسطين فى الحديث عن أية قضية؟ وما علاقة الاحتلال الأمريكى للعراق فى 2003 بما يحدث فى أوكرانيا الآن؟ وصار يردد «هل تعرفين مدى خطورة ما يحدث؟ هذا يعنى دمار أوروبا ومنها العالم»، فكان سؤالى الهادئ جدا: ولماذا لم يتدمر العالم بعد قتل وتشريد الكثير من الذين ذكرته بهم من شعوب العالم؟ صار يكرر ليس من العدل المقارنة.. ليس من العدل أن تقارنى الأوكرانيين الأوروبيين بالأفغان المتطرفين أو العراقيين العنيفين أو أو أو.. أما عندما ذكرته بأن فى كلامه نكهة من العنصرية والتعالى فشاط غضبا وردد: «ليس من العدل أن تصفى ما يحدث بذلك.. وأنتم العرب أكثر عنصرية تجاه الأفارقة.. إلخ إلخ»، قلت معك حق.. إننا عنصريون ربما ولكن هل تبرر عنصريتنا عنصريتكم وأنتم من تنادون بحقوق الإنسان وتمارسون أنواعا من العنف اللفظى أو العملى على كثير من الشعوب بحجة حمايتهم من حكامهم الديكتاتوريين والعنصريين وغير المعنيين باحترام مواثيق حقوق الإنسان؟
• • •
هنا آثرت الصمت وأدركت أن العنصرية تسكن أحيانا تحت جلود بعضنا وكثير منهم أيضا..
خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات