الواجبات الصغيرة بديلا عن الشعارات الكبيرة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:55 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الواجبات الصغيرة بديلا عن الشعارات الكبيرة

نشر فى : الخميس 13 يوليه 2017 - 9:40 م | آخر تحديث : الخميس 13 يوليه 2017 - 9:40 م
نشرت صحيفة الرؤية العمانية مقالا للكاتب صالح الفهدى ذكر فيه أن الفلاّح قد لا يعرف أن البذورَ الصغيرةَ التى ينثرها فى حقلهِ، تصبُّ فى سيادةِ وطنهِ، وتُسهمُ فى بناءِ عزّتهِ، وترفدُ حريّتهُ، واستقلاله؛ ذلك لأنّها تؤمِّنُ الغذاءِ، فإن وصلَ ذلك إلى مستوى الاكتفاء الذاتى للوطنِ فإنِّه يعنى عدم اعتمادِ وطنهِ على غيرهِ لاستيرادِ الغذاءِ، الأمر الذى يعنى أنه سيكونُ مقيّدا بشروطٍ ما قد تخلُّ باستقرارهِ الاجتماعى، وتفرضُ عليه تنازلاتٍ معيّنة.
وقد لا يرتقى الموظف البسيطُ إلى الإدراكِ بأن استثماره كل دقيقةٍ من دقائق عملهِ يعنى الإسهام بتنمية وطنه بأكمله..! الموظفُ فى عمله كالصامولةِ فى الماكينةِ الهائلة الحجم، إن هى انكسرت، تعطّل عمل الماكينة كاملا.
الواجباتُ الصغيرةُ إذن هى التى تبنى الحضارة والتاريخ فـ«كثرُ السيولِ من النقط» والاستراتيجيات العظمى لا يمكنُ لها أن تنجح ما لم تؤدِّ واجباتها الصغيرة المتعلقة بها، تلك الواجبات التى تعانقُ الواقع، وتلامسُ الميادين، فإن تعطّل عاملٌ بسيط يقودُ رافعة الحاويات، تعطّل الميناءُ وتأخرت السفينةُ عن موعدها المقرر لإفراغ الحاويات..! وإن تعطّلت سيارةٌ إسعافٍ أو إطفاءٍ بسبب عطل بسيطٍ جدا كانت الخسارات فادحة..! وإن تعطّل صيّاد بسيط فى البحر، أضرّ تأخره بأسرٍ عديدة..! وهكذا كل شيءٍ يبدأ من الواجبات الصغيرة..!
واحدةٌ من أكبر إشكالياتنا التى وقعنا فيها هى إشكالية «الكلام الكبير» وتعنى أننا نتقنُ فنّ الكلام الكبير الذى يستخدم العبارات الطنّانةِ والجملِ الرنّانة، لهذا فإننا لا نرى ما هو ملموس فى علاجاتنا لكثيرٍ من المشكلات أو بناءِ التوجهات لأن الكلام العظيم لا يمكنُ بلورتهُ على الأرضِ إلاّ بتفكيكهِ إلى «واجبات صغيرة»..!
ذكرَ مقال منشور فى مجلة Forbes «أنه قبل أكثر من ثلاثين عاما قررت الخطوط الأمريكية «أمريكان إيرلانز» خصم حبةً زيتون من كل طبق، فاكتشفت أنّها وفّرت مبلغ 40 ألف دولار..! ولا يكاد المرءُ يصدّقُ أن حبّة زيتونٍ واحدةٍ توفر هذا الكم من المال إلا إن كان صاحب بعدٍ فى النظر، وعمق فى الرؤية..!
هذا الذى نقعُ فيه نحن الأفرادُ وأقربُ مثلٍ عليه الكميات الكبيرة من مخلفات الغذاء التى تُلقى فى القمامات..! تسمعُ من الناسِ غلاءِ أسعار السلع ولا تكادُ تسمعُ منهم كيف يمكنهم تقليص استهلاك الغذاء، تناقضٌ غريب..!
أمّا الإشكاليات التى تقعُ فيها بعض الأوطانِ فهى أنها تفكّر بالمشاريع الكبرى وتنفق عليها الموازنات الهائلة، لكنها حين تأتى إلى الواجبات الصغيرة ومنها تأهيل الكفاءات لتدير لاحقا هذه المشاريع تبخلُ على إعدادهم ماليا، وتديرُ ظهرها أمام تأهيلهم الإدارى والفنى فتضيع الأموال الضخمة والمشاريع الكبيرة لأنه تمّ الإخلال بالواجبات الصغيرة...!
نعم يغيبُ التفكير فى مجتمعاتنا لأننا نفكّر فى الاستراتيجيات الكبرى، والتخطيط الاستراتيجى، والرؤية الوطنية العامة، وقليلا ما نفكّر فى «الواجبات الصغيرة» التى قال فيها أحد المفكرين حين سأل عن الحضارة فأجاب: الحضارة هى أداء الواجبات الصغيرة..! 
فإن نحن أولينا اهتماما لأداء الواجبات الصغيرة فلن يتعطّل مراجعٌ لخدمة، ولن يتردّد أياما على مصلحةٍ من المصالح..
إن نحن أولينا اهتماما لأداء الواجبات الصغيرة فلن يضيّع موظف وقته فى استخدام هاتفه الخاص، وإضاعة الوقت فى هذر الكلام ولغوهِ..
إن نحن أولينا اهتماما لأداء الواجبات الصغيرة فسننشئ جيلا لا يعيشُ على أحلام اليقظة وإنّما يشمّرُ عن ساعديه ويعملُ فى كل مهنةٍ شريفةٍ وإن كانت متواضعة.
إن نحن أولينا اهتماما لأداء الواجبات الصغيرة فلن ننتظر التغيرات الضخمة، والفرص العظيمة التى ستأتينا بالحظوظ الكبرى بل نصنعُ أهدافا وإن كانت صغيرةً نقتربُ إليها كل يوم بعزيمةٍ وصبرٍ وإصرار.
إنّ جعجعات بعض الناس لا تقنعنى فى شيء، إذ إننى من الواقعيين الذين يرون مصداق كل فكرة هى ميدان العمل، يقول مالك بن نبى فى كتابه «مشكلة الثقافة»: «إن الذى ينقص المسلم ليس منطق الفكرة، ولكن منطق العمل والحركة، وهو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاما مجردا، بل إنه أكثر من ذلك يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا».. لهذا أقولُ دائما».
لا تحدّثنى كثيرا عن أفكارك المجرّدةِ التى لا تنتهى ولكن بدلا من ذلك دعنى أراها ماثلةً على الأرض لتثبتَ فاعليتها من عدمها.

الرؤية ــ عمان

 

التعليقات