مبدئيا، علينا أن نرحب ونشيد بإعلان مكتب النائب العام قبل يومين استرداد مبلغ 9.6 مليار جنيه و450 مليون دولار كانت مستحقة للدولة من مستثمرين ورجال أعمال.
معظم هذه الأموال عبارة عن أراض لم يتم تسديد حقها أو غرامات ورسوم.
الدكتور محمد محسوب وزير الشئون القانونية والمجالس المحلية قال على عهدة موقع «اليوم السابع» عقب اجتماع مجلس الوزراء مساء الأربعاء قبل الماضى: «لن يتم التصالح مع أركان النظام السابق، ولن نترك لهم مليما واحدا، لأن هذه الأموال من حق الشعب».
لو أن الكلام الحاسم للدكتور محسوب قد جرى تطبيقه على أرض الواقع، فوقتها وجب علينا أن نشعر بالسعادة، لأنه سيشفى صدور قوم محبين للوطن، واكتووا بنار الفساد طوال عهد مبارك.
لكن هل ما قاله د.محسوب قابل للتطبيق فعلا؟!.
نظريا أتمنى أن يكون كذلك، لكن نحتاج إلى من يقول لنا كيف سنطبقه فعلا؟.
الحكومة تسعى منذ انتخاب محمد مرسى إلى استرداد أى مبلغ من الأموال التى هربها الفاسدون أو استولوا عليها، وهى تواجه صعوبات جمة فى هذا الصدد، خصوصا أنه لم يتم سوى تجميد نحو 1.3 مليار دولار بالخارج وهى تحتاج إلى أحكام قضائية نهائية كى يتم إعادتها إلينا.
قبل أسابيع قال مرسى فى خطبته الشهيرة باستاد القاهرة إن الدولة تسعى لاسترداد نحو مائة مليار جنيه من رجال أعمال متهربين من سداد ضرائب ومستحقات.
المتهمون «الكبار» بالتهريب لم يتم إعلان أسمائهم رسميا، لكن الجميع يعرفهم وبعضهم ينفى ذلك تماما ويؤكدون أنهم لن يدفعوا أى مليم طالما أنهم ملتزمون بالقانون، والحكومة تقول إنها لن تعاملهم إلا بالقانون.
البعض دعا الحكومة إلى دراسة الطريقة التى اتبعها الزعيم الروسى فيلاديمير بوتين لإجبار حيتان نظام بوريس يلتسين على إعادة ما نهبوه من الدولة والشعب الروسى. بوتين اتبع مجموعة متنوعة من الأساليب بعضها غير قانونى لإعادة أموال الشعب القانونية.
استخدم بوتين سلطات الدولة الباطشة ولوح بالعصا والجزرة، والنتيجة أنه أعاد مليارات الدولارات وأنقذ البلاد من الانهيار... فهل التجربة الروسية قابلة للاستنساخ فى مصر؟.
أعتقد أن هذا النموذج يصلح مع بعض كبار الفاسدين الذين لا يريدون إعادة ما نهبوه للدولة، طالما ثبت بالقانون أنهم متهربون وأضروا بالاقتصاد الوطنى، فما المانع من ردعهم لإعادة حقوق الشعب.
وحتى تكون الأمور واضحة، فعلينا أن نفرق بين مجموعة واسعة ومتنوعة من قضايا الفساد والفاسدين.
هناك مجموعة لا يمكن التصالح معها بأى ثمن، خصوصا أولئك الذين قتلوا الشهداء، وهؤلاء سنحصل على حقوق الوطن منهم بالقانون، فلماذا نستجديهم بالتصالح؟!.
وهناك مجموعة ثانية لم ترتكب جرائم ضد الثورة لكنها استولت على أراض شاسعة بالواسطة وأساليب ملتوية لكنها قانونية، وهؤلاء يجوز معهم التصالح إذا أعادوا الحقوق لأصحابها وبعض هؤلاء أعاد الاموال فى اليومين الأخيرين.
وهناك مجموعة «بين بين» تحتاج إلى دراسة كل حالة على حدة.
ليس سرا أن هناك اتجاها داخل الحكومة من أجل الحصول على الأموال المنهوبة وربما جرت اتصالات مع بعض رجال الأعمال كى يعيدوا ما حصلوا عليه من دون وجه حق.
فى كل الأحوال، نحن مع الحكومة إذا استطاعت تحقيق المعضلة الصعبة جدا وهى أن تسجن الفاسدين والمجرمين وتؤدبهم وفى نفس الوقت تعيد لنا ما سرقوه من أموال... ومن يفعل ذلك سنرفع له القبعة.