مسار الأحداث فى سوريا.. وتحديات الأمن القومى العربى فى مواجهة الأطماع الإقليمية - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 4:24 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسار الأحداث فى سوريا.. وتحديات الأمن القومى العربى فى مواجهة الأطماع الإقليمية

نشر فى : الجمعة 13 ديسمبر 2024 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 13 ديسمبر 2024 - 7:25 م

 

أضيفت خسارة استراتيجية كبرى إلى منظومة الأمن القومى السورى والعربى، بعد استغلال إسرائيل الأحداث فى سوريا ودخول قوات المعارضة المسلحة إلى دمشق، وقيام القوات الإسرائيلية فى ذات اليوم والساعة بالتوغل بعمق 15 كم داخل مرتفعات الجولان السورية، واحتلال المنطقة العازلة مستولية على 235 كم2 من الأراضى السورية، ومحكمة السيطرة بذلك على مرتفعات جبل الشيخ وهضبة الجولان.

جبل الشيخ الذى يعد أعلى نقطة فى سلسلة جبال لبنان الشرقية، يمتد على الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين، ويتيح لمن يسيطر عليه أفضلية استراتيجية بارتفاعه الشاهق الذى يجعله مركز استراتيجى للرصد والمراقبة، مع إشرافه الرادارى والنيرانى على القنيطرة، نوى، درعا، الصنمين، قطنا، وضواحى العاصمة دمشق، التى باتت بذلك تحت السيطرة النيرانية الإسرائيلية.

الجانب الآخر من تلك الخسارة يتمثل فى كون جبل الشيخ هو المنبع الرئيسى لنهر الأردن، الذى يتدفق جنوبا إلى بحيرة طبريا ومنها إلى الأردن وفلسطين، وعليه فإن إسرائيل بذلك تكون قد أحكمت قبضتها على منابع نهر الأردن ومياهه، لتحقق خطوة كبرى فى استراتيجيتها المائية للسيطرة والتحكم فى موارد المياه، والتى تتضمن أيضا نهرى اليرموك والليطانى كأهداف مستقبلية.

لا ينبغى أيضا تجاهل أن إسرائيل طوال سنوات الأزمة السورية قد فعلت كل ما فى وسعها لتدمير قدرات الدولة السورية بقيامها بالقصف المستمر للمطارات والمراكز العسكرية والصناعية السورية ومعامل الأبحاث والمنشآت العلمية، الأمر الذى يضعنا فى حقيقة أن سوريا اليوم هى على حالة من الإجهاد والضعف المروع تتيح لكل فاعل أن يفعل ما يريد.

• • •

تقييم مسار الأحداث فى سوريا ولبنان وفلسطين، يشير بما لا يدع مجالا للشك إلى خسائر استراتيجية فادحة للجانب العربى، ومكاسب كبرى للأطراف الأخرى، وإن كان ظاهر الأمور يوحى بغير ذلك، فرغم تغير نظام الحكم فى سوريا، إلا أن هناك تهديدات جسيمة لكيان الدولة السورية تكمن خطورتها فى أن سوريا بموقعها وتاريخها وتركيبتها السياسية تعد حالة جيوسياسية شديدة التعقيد.

فى شرق سوريا ومع الوجود القهرى لقوات الاحتلال الأمريكى تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش، قام الأمريكيون بإمداد الميليشيات الكردية فى سوريا بأحدث أنواع العتاد والسلاح الخفيف والمتوسط والثقيل لعدد 85 ألف مقاتل كردى تمكنوا بالفعل من فصل ثلث مساحة الدولة السورية شرق الفرات عن سلطة وسيادة دمشق، بما فيها من المناطق الزراعية خصبة وحقول النفط والغاز.

لا يمكن أيضا تجاهل حقيقة وجود رؤية تركية تاريخية تقوم على الميثاق المللى التركى الذى يعتبر أن مناطق شمال سوريا كلها بما فيها مدينة حلب هى مناطق تركية، والمؤشر الخطير هو قيام بعض فصائل المعارضة السورية برفع العلم التركى على قلعة حلب بعد دخولهم المدينة، وإعلان زعيم حزب الحركة القومية التركية فرحته بسقوط مدينة حلب، مصرحا بأن ذلك هو شعور كل تركى وبأن حلب تركية ومسلمة حتى النخاع، مطالبا الجميع بالعودة إلى حقائق التاريخ والجغرافيا..

أيضا يجب اعتبار السياسة التركية الحالية القاضية بإقامة شريط أمنى عازل على طول الحدود السورية التركية بطول 900 كيلومتر وبعمق 40 كيلو مترا داخل الأراضى السورية بدعوى مواجهة الميليشيات الكردية، يضاف إلى كل ما سبق دور تركيا الفاعل فى فرض رؤيتها على مستقبل سوريا، ولا سيما أن معظم فصائل المعارضة السورية كانت بصورة أو بأخرى تحت سيطرتها المباشرة أو تقوم بالتنسيق معها.

• • •

من جهة أخرى يجدر ملاحظة أن الركائز الدفاعية التى اعتمدت عليها سوريا فيما سبق قد انتهت بالفعل، نعنى بذلك إيران وروسيا، فإيران التى تضع نصب أعينها سلامتها الذاتية، وسلامة برنامجها النووى، ورغبتها العارمة فى تخفيف ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، يبدو أنها أبرمت صفقة مبكرة مع الغرب، بدأت معالمها تتضح بعد الاغتيال الغامض لإسماعيل هنية وسلسلة الاغتيالات المتوالية لقادة حزب الله فى لبنان، ثم تقاعسها المريب عن إسناد النظام السابق فى سوريا، وتوجهها للتواصل مبكرا مع الرئيس الأمريكى المنتخب ترامب لتلافى تعرضها لسياسة الضغط القصوى التى أعلن اعتزامه انتهاجها نحوها.

أما روسيا التى منيت بخسارة استراتيجية فادحة بعد سقوط نظام الحكم السابق الذى يعد حليفها التقليدى الأوحد فى الشرق الأوسط، ومبادرتها فى الأيام الأخيرة للأزمة بسحب وحدات أسطولها البحرى من قاعدة طرطوس البحرية، وقيامها الآن بسحب طائراتها الحربية من قاعدة حميميم باللاذقية، يشير لاحتمال مثيل لوجود صفقة روسية أبرمت مع الغرب لمقايضة سورية فى مقابل تسويات تتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية.

• • •

العوامل السابقة تقود إلى حتمية التفكير فى إعادة بناء القدرات الدفاعية السورية بصفة عاجلة، والحفاظ على كيان المؤسسة العسكرية السورية مع إعادة صياغة دورها الوطنى والعربى، لأن أى محاولة لتفكيك هذه المؤسسة أو حل الجيش باعتباره قوات النظام السابق، أو تصفية قادته وضباطه وجنوده أو تسريحهم، ستمثل خسارة كبرى للدولة السورية فى ظل أوضاع إقليمية شديدة التداخل والتعقيد والخطورة.

أيضا ينبغى ملاحظة أنه حتى هذه اللحظة وبرغم مرور أيام عدة على سقوط نظام الحكم السابق، إلا أن إسرائيل ما زالت تواصل غاراتها الجوية على المدن والبلدات السورية مستهدفة تدمير أكبر قدر ممكن من المرافق والمنشآت والمراكز العلمية والقواعد العسكرية والمطارات والموانئ السورية، مستغلة الحالة الراهنة لتفكك الجيش السورى بأقصى درجة من العدوانية.

ولا يمكن أيضا فصل الأحداث فى سوريا عن لبنان فى ظل وجود العدو الإسرائيلى المتربص، والذى رغم الهدنة الهشة القائمة ما زال يواصل عدوانه وغاراته على لبنان بذرائع مختلفة، ولا يمكن أن نستبعد استغلاله للوضع الراهن فى سوريا ولبنان وانقطاع خطوط الإمداد عن حزب الله لمعاودة تدمير البقية الباقية من قدرات الحزب، والقيام بغزو للبنان يصل بالقوات الإسرائيلية إلى نهر الليطانى، والتمركز على طول ضفته الجنوبية بحجة الدفاع عن المستعمرات فى شمال فلسطين، فتكون إسرائيل بذلك قد استحوذت على مياهه وضمت أراضيه.

• • •

الوضع الراهن فى سوريا يتطلب إذن مراجعة حتمية وشاملة لمنظومة الأمن القومى العربى التى أثبتت الوقائع عدم قدرتها على مواجهة التحديات الراهنة، وهى تحديات يتوقع تصاعدها يوما بعد يوم محدثة المزيد من الخسائر والاستنزاف لحاضرنا ومستقبلنا إذا استمررنا على هذا النهج.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات