أمريكا تفتقد إلى مجلس صيانة دستور - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 6:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أمريكا تفتقد إلى مجلس صيانة دستور

نشر فى : الأحد 14 يوليه 2024 - 6:25 م | آخر تحديث : الأحد 14 يوليه 2024 - 6:25 م


فى عام ١٩٩٢، ترشح الرئيس جورج بوش الأب عن الحزب الجمهورى لولاية رئاسية ثانية مستندًا إلى النصر الذى حقّقه فى حرب الخليج الثانية ضد العراق بالإضافة إلى تأييد الحزب الجمهورى.. لكن الرياح لم تجرِ كما تشتهى السفن!
تزامن ترشيح جورج بوش للولاية الثانية مع تصاعد الخلاف بينه وبين الدولة الأمريكية العميقة، وأحد مظاهره التى طفت إلى السطح، حينذاك، ضمانات القروض لإسرائيل بقيمة عشرة مليارات دولار، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل والذى اعتبر مكافأة لا لزوم لها للعرب على شراكتهم مع الولايات المتحدة فى حرب تحرير الكويت من الجيش العراقى.
فى الجانب الديموقراطى، ترشح السيناتور عن ولاية ماساتشوستس بول تسونجاس وتصدّر السباق الرئاسى فى مراحله الأولى متقدمًا على بيل كلينتون حاكم ولاية أركنسو. وما أن وصلت الحملة إلى شهر مارس ١٩٩٢ حتى توقفت التبرعات عن تسونجاس، ما أدى إلى إعلان انسحابه من السباق الرئاسى بسبب عدم توفر أموال من المانحين. رست بورصة الحزب الديمقراطى على كلينتون الذى كان حاكما لولاية، وشخصية مغمورة فى الحزب الديمقراطى، ويعانى من مشاكل عائلية تردّدت أصداؤها فى الإعلام الأمريكى.
كان واضحًا أن ما اصطلح على تسميتها «لدولة العميقة» كانت تعارض انتخاب بوش لولاية جديدة وتريد فوز كلينتون. فجأة وفى سابقة فى التاريخ الأمريكى أعلن رجل الأعمال الميلياردير روس بيرو ترشحه للرئاسة، وهو جمهورى من ولاية تكساس. هذا الترشيح كان يعنى أن بيرو سيأخذ أصواتا من درب بوش من ولاية وازنة هى تكساس وبالتالى يستطيع أن يحد من فرص فوز جورج بوش.. وبالفعل جرت انتخابات رئاسية للمرة الأولى فى التاريخ الأمريكى تنافس فيها ثلاثة مرشحين وكان الفوز من نصيب كلينتون، فيما خسر بوش وبيرو.
بعد أن أمضى كلينتون ولايتين رئاسيتين ترشح نائبه آل جور ضد جورج بوش الابن. تعثر إعلان نتائج الانتخابات لخلاف على نتيجة ولاية فلوريدا التى ادعى كل من الحزبين الفوز بها وتقرر إعادة تعداد الأصوات يدويًا. تأخر صدور النتائج وأحيل ملف الانتخابات إلى المحكمة العليا التى أصدرت حكمًا لمصلحة جورج بوش الابن.
هذا ما جرى فى دولة يُقال إنها المعقل الأول للديمقراطية فى العالم. طبعًا هناك تفسيرات عديدة لاسقاط جورج بوش الأب ثم لإنجاح جورج بوش الابن بعد ثمانى سنوات!
• • •
ما مناسبة هذه السطور؟ جرت فى إيران مؤخرًا انتخابات رئاسية أسفرت عن فوز المرشح الإصلاحى مسعود بزشكيان. صدرت أصوات من دول عدة تتعرض للانتخابات الإيرانية وتنفى أى دور للشعب الإيرانى فى انتخاب رئيسه، من قائل إن مؤسسات النظام هى التى تتحكم بالانتخابات عبر مجلس صيانة الدستور المخول بإعلان المرشحين الصالحين لخوض الانتخابات، وهى خطوة يُعدّونها غير ديمقراطية إلى من قال إنها نوع من التعيين. والمفارقة هنا أن بعض المنتقدين ينتمون إلى دول ليس فيها انتخابات نهائيًا.
إذا أجرينا مقارنة بين ديمقراطيات إيران والولايات المتحدة يمكننا طرح الأسئلة والملاحظات الآتية:
أولًا؛ فى الولايات المتحدة يتطلب الترشيح للانتخابات نفقات كبيرة يعجز الأشخص العاديون عن توفيرها فيلجأون إلى فئة المتبرعين. هؤلاء يتبرعون بمبالغ مالية وازنة للمرشح أو المرشحة. مثلًا؛ حملة عضو فى الكونجرس فى مجلس النواب تتطلب حسب الدائرة تبرعات تصل إلى نحو عشرة ملايين دولار. أما حملة الترشيح إلى مجلس الشيوخ فتتطلب نحو مائة مليون دولار للعضو الواحد. فى الانتخابات الرئاسية تصل نفقات كل شخص مرشح إلى نحو مليار دولار. للعاقل هنا أن يسأل من لديه القدرة على التبرع ودفع عشرات أو مئات ملايين الدولارات، هل يدفعها حبًا بالمرشح أم حبًا بالحزب أم لتأمين مصالحه فى القوانين التى يسنها مجلسا الكونجرس (النواب والشيوخ)؟
ثانيًا، لماذا يوجد فى الولايات المتحدة حزبان هما الجمهورى والديمقراطى بحيث يفرض على المواطنة والمواطن الأمريكى أن يُمارس العمل السياسى فى أحد هذين الحزبين خصوصًا بعد فشل محاولات عديدة لفرض خيار ثالث أبرزها محاولة اللبنانى الأصل رالف نادر؟
ثالثاً، فى إيران، يُعتبر مجلس صيانة الدستور المرجع الأساس لقبول أهلية المرشح لرئاسة الجمهورية. وإذا كان من انتقاد لهذه الصلاحية فإنه يعود إلى أداء المجلس وعدالته فى القرارات التى يتخذها وليس لوجود المجلس بحد ذاته. ألا يمكننا اعتبار انسحاب السناتور تسونجاس من السباق الرئاسى، بسبب نقص الأموال من المتبرعين هو قرار من جهة لا تعلن نفسها، بأنها لا تريده رئيسًا للولايات المتحدة فيما الجهة التى تقبل الترشيح فى إيران وترفضه هى جهة معروفة ومعلنة وهى مجلس صيانة الدستور؟ ألا يُمكن اعتبار استحضار الملياردير روس بيرو من أجل أن ينتزع من جورج بوش الأول أصوات ولاية تكساس الجمهورية لإنجاح بيل كلينتون تدخلًا من جهة لا تُعلن عن نفسها ترفض التجديد لبوش الأب وتدفع باتجاه انتخاب كلينتون؟
رابعاً، لو كان هناك مجلس صيانة دستور فى الولايات المتحدة لكان حتمًا رفض ترشيح بايدن وترامب.
خامساً، علينا أن ننتظر فى ما تبقى من أسابيع وشهور تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كيف ستتصرف «الدولة العميقة» مع قرار بايدن بالمضى فى الترشيح برغم ملاحظات مجتمع الحزب الديمقراطى عليه؟.

إلياس فرحات
موقع 180
النص الأصلي:
https://bit.ly/4eY9dUj

 

التعليقات