نشرت جريدة هاآرتس مقالا للكاتب ألوف بن، تناول فيه أسباب التأخير فى إذاعة الفيلم الوثائقى «1948.. نتذكر أو لا نتذكر» للمخرجة «نيتا شوشانى»، إذ يقدم الفيلم أحداث الحرب العربية الإسرائيلية للمرة الأولى باستخدام مذكرات يومية ورسائل دونها إسرائيليون وكذلك فلسطينيون، ويهدف إلى التشكيك فى الروايات الإسرائيلية المألوفة حول هذه الحرب. ويؤكد الكاتب أن السبب وراء هذا التأخير والقمع هو الرفض الإسرائيلى المستمر للاعتراف بجرائمها خوفا من رد الفعل العالمى. كما ربط ألوف بن بشكل مباشر بين ما حدث عام 1948 وما يحدث فى غزة الآن، مؤكدا أن التاريخ يعيد نفسه وأن إسرائيل لا تزال تستخدم نفس أساليب الإنكار والتبرير.. نعرض من المقال ما يلى:
يقول كاتب المقال، ألوف بن إن الفيلم الوثائقى «1948.. نتذكر أو لا نتذكر» للمخرجة «نيتا شوشانى»، والذى تم حظره لمدة عامين بسبب ضغوط حكومية، وبُث الأسبوع قبل الماضى على هيئة البث الوطنية الإسرائيلية «كان»، يكشف مدى القمع والإنكار المحيط بنكبة 1948، حتى فى الوقت الذى تنفذ فيه إسرائيل «نكبة» ثانية فى غزة.
يُرجع بن السبب وراء التأخير لمدة عامين فى إذاعة الفيلم الوثائقى لضغوط نشطاء يمينيين وتهديدات من وزير الاتصالات «شلومو كارهى» بقطع ميزانية هيئة الإذاعة العامة. فبعد 77 عامًا من الأحداث، لا يزال بث فيلم عن النكبة الفلسطينية عام 1948 على التلفزيون الإسرائيلى يُعتبر عملًا تخريبيًا وجريئًا.
سارت المخرجة نيتا شوشانى على نفس الدرب الذى رسمه «المؤرخون الجدد» فى أواخر الثمانينيات، أى سعت إلى تحطيم الأساطير الكاذبة حول تأسيس دولة إسرائيل ــ وأهمها أن «العرب غادروا طواعية». يوضح الفيلم كيف تم تنفيذ طرد الفلسطينيين وفقًا لاستراتيجية («الخطة دال أو دالت» التابعة للهاغاناه، وهى خطة تهدف إلى السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضى الفلسطينية وطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض على جميع الأطراف).
قليلون فقط داخل المجتمع الإسرائيلى اليهودى يُظهرون اهتمامًا بـ«النكبة»، وبالقرى المدمرة، وبالظروف التى حوّلت مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لاجئين. معظمهم يفضلون عدم المعرفة وعدم السؤال عما كان هنا من قبل، وهم يقودون سياراتهم بجانب أسوار الصبار وأنقاض المنازل العربية. يضيف بن أن الحكومة تشارك ــ بنشاط ــ فى طمس الأدلة حول هذه الكارثة التاريخية، إذ يتناول الفيلم الاستمرار فى إخفاء «تقرير شابيرا» ــ وهو وثيقة كتبها أول مدعٍ عام لإسرائيل وكشفت عن أعمال مذابح واغتصاب وإساءة ارتكبها الصهاينة فى حرب الاستقلال الإسرائيلية ضد القرويين الفلسطينيين عام 1948.
• • •
يؤكد كاتب المقال أن هناك سببا وراء هذا الإسكات، فاستشهد بمقال موريس عام 1988 «التأريخ الجديد: إسرائيل تواجه ماضيها»، ويوضح موريس فى مقاله أن دراسة وفهم نكبة عام 1948 تؤثر بشكل كبير على نظرة المرء إلى التجربة الصهيونية/ الإسرائيلية بأكملها. بمعنى أن إذا كانت إسرائيل «ــ ملاذ الشعب المضطهد ــ قد ولدت نقية وبريئة، فإنها كانت تستحق النعمة والمساعدة المادية والدعم السياسى الذى أغدقه عليها الغرب ــ وتستحق المزيد من نفس الشىء فى السنوات القادمة. أما إذا كانت إسرائيل قد ولدت ملوّثة، ملطخة بالخطيئة، فإنها لا تستحق تلك النعمة والمساعدة أكثر من جيرانها».
يعلق كاتب المقال على ما سبق، بأن إسرائيل تنفذ، الآن، نكبة ثانية فى غزة والضفة الغربية، ولا يزال المجتمع اليهودى محاصرًا فى القمع والإنكار للحقيقة- تمامًا كما كان فى عام 1948.
لماذا يتم إخفاء الحقيقة عن الجمهور الإسرائيلى؟
يوضح العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم فى الفيلم الوثائقى، أن إسرائيل لا يمكنها الاعتراف بارتكابها جرائم حرب خشية من رد الفعل العالمى. لهذا السبب لا يتم بث أى لقطات من غزة على التلفزيون الإسرائيلى، ويتم طمس وجوه الجنود. ويُقال للجمهور إن «التقارير فى الصحافة الأجنبية» التى تُظهر المجاعة الجماعية وقتل الأطفال ليست نتيجة سياسة إسرائيل وقصفها- بل هى مجرد دعاية من حماس، إضافة إلى اتهام كل من يتعاطف معاهم من الغرب بمعاداة السامية.
تمامًا كما فعلت فى عام 1948، تضع إسرائيل كل المسئولية الأخلاقية عن الكارثة فى الحرب الحالية على الجانب العربى من الصراع: لقد بدأوا الحرب، لذا استحقوا نتائجها.
ختاما، يوضح ألوف بن أنه بحلول نهاية فيلم «1948: تذكر، لا تتذكر»، أدرك أن الماضى لا يتغير؛ فإنه حاضر دائمًا. ويعنى بن بذلك أن الدورة اليهودية ــ العربية الدموية لا تتوقف، حتى إذا وعد القادة الإسرائيليون بأن «هذه الضربة ستكون الأخيرة».
مراجعة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلي
https://tinyurl.com/44fyteea