هل ستدفع جماعة الإخوان ثمنا للخطاب العنيف والتحريضى، الذى صار يصدر من بعض المحسوبين عليها، وهل تدفع ثمنا للممارسات الدموية لداعش وفروعها؟!
يبدو أن الإجابة هى نعم، والبداية جاءت من باريس على لسان مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسى. فالس قال لإذاعة أوروبا الأولى يوم الثلاثاء الماضى: «علينا مساعدة المسلمين الذين لا يتحملون مسئولية هذه الخطابات، ليس مع الجهاديين أو مع الإرهابيين فقط، بل كذلك مع الأصوليين والمحافظين والمتشددين وينبغى مكافحة خطاب الإخوان المسلمين فى بلادنا، ومكافحة الجماعات السلفية فى الأحياء».
وتحدث فالس، متحدثا عن مناطق حساسة يتفاقم فيها الفقر فى مدن البلاد الكبرى، والتى تضم نسبة كبيرة من المهاجرين معظمهم من المسلمين.
وبشأن كيفية مكافحة هؤلاء، أكد فالس: «من خلال القانون والشرطة وأجهزة الاستخبارات، ونقوم بالفعل بكثير من الأمور»، وختم تصريحاته بقوله: «لا يمكن لديانة أن تفرض خطابها فى أحيائنا».
كلام فالس هو أعنف خطاب أوروبى رسمى ضد جماعة الإخوان أخيرا وربما منذ خلع الجماعة من حكم مصر فى أول يوليو ٢٠١٣.
العملية الإجرامية التى استهدفت مجلة شارلى إبدو الفرنسية فى باريس أوائل يناير الماضى ربما ساهمت فى التغير الذى حدث فى الموقف الفرنسى من كل تيارات الاسلام السياسى ومنها جماعة الإخوان.
لكن المؤكد أن هناك إرهاصات لهذا الموقف سبقت وقوع هذه العملية، ضد المجلة التى أساءت كثيرا إلى الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم).
قبل هذا الحادث بأسبوعين تقريبا قابلت العديد من الباحثين والمسئولين الفرنسيين فى العاصمة باريس فى إطار زيارة بدعوة كريمة من وزارة الخارجية الفرنسية، ما سمعته بوضوح أن اعتبارات الأمن القومى الفرنسى ستكون لها الأولوية فيما يتعلق بمسألة الجهاديين، خصوصا كل ما يتعلق بالإسلام السياسى عموما.
الهاجس الذى يقلق باريس كثيرا هو أولئك الذين سافروا والتحقوا بداعش أو فى طريقهم إلى هناك وماذا سيفعلون اذا عادوا، والأخطر بينهم على الإطلاق هم الدواعش من أصول فرنسية بحتة وليس من أصول عربية.
بعض المسئولين قالوا بوضوح إن فرنسا منفتحة على التنسيق مع بلدان عربية وأوروبية لمواجهة «أنصار الشريعة الداعشية» فى ليبيا بكل الوسائل.
سمعت ذلك قبل أن يعلنه وزير الدفاع الفرنسى ايف لودريان بأيام. والمعروف أن وزارة الدفاع الفرنسية لديها قناعة بأن تنفيذ عمل العسكرى ضد المتطرفين فى ليبيا قد يكون مسألة وقت، ما لم يسلم المتطرفون سلاحهم ويفكوا ميليشياتهم.
وبعد الحادث الإرهابى بأيام حدث تطور مهم آخر فى فرنسا هو أن المجلس الدستورى ــ أعلى هيئة قضائية فى فرنسا ــ وافق على إسقاط الجنسية عن شخص ــ يعتقد أنه إخوانى ــ يدعى أحمد سحنونى وهو مغربى الأصل بعد ان تم الحكم بحبسه سبع سنوات فى مارس ٢٠١٣ بتهمة تنظيم شبكة لتجنيد جهاديين للقتال فى منطقة الساحل والصحراء والعراق وأفغانستان.
قد تكون جماعة الإخوان دفعت ثمنا لإجرام داعش، لكن المؤكد أن تمادى الإخوان فى الخطاب العنيف والتحريضى قد ساهم فى أن تفتح بعض دول أوروبا عيونها جيدا على أنشطة الإخوان فى أراضيها. الجماعة خدعت أوروبا طويلا بخطاب مراوغ يتحدث بعنف شديد باللغة العربية، ويتسم بتسامح كبير فى نسخته الإنجليزية.
كثير من الأوروبيين لم يعد يصدق ذلك، ويبدو أنهم بدأوا يتابعون جيدا بيانات الجماعة، خصوصا تلك القادمة من تركيا عبر القنوات الإخوانية.