افضحوهم.. يرحمكم الله - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

افضحوهم.. يرحمكم الله

نشر فى : الجمعة 15 أبريل 2016 - 10:05 م | آخر تحديث : الجمعة 15 أبريل 2016 - 10:05 م
من الذى استفاد من نشر وبث وتسريب وثائق أو أوراق بنما؟!

بالطبع الملايين حول العالم الذين عرفوا بالدليل القاطع بعض الأنشطة الخفية لقادة ومسئولين كبار ومشاهير وكيف يخفون أموالهم عن عيون الجميع؟.

ومن الذى تضرر من هذا التسريب الذى يعد الأكبر فى تاريخ الصحافة على الإطلاق؟!

الإجابة هى: الأشخاص الذين تم فضحهم، لكن هناك متضرر كبير جدا هو مكتب موساك فونيسكا فى بنما الذى كان يدير كل هذه الحسابات والثروات للمسئولين والشركات.

قبل أيام قليلة تحدث رامون فونسيكا مورا مدير مكتب موساك فونيسكا وقال: «إننا تعرضنا لقرصنة من أجهزة ملقمة من الخارج، قامت بسرقة الحسابات والبيانات».

أضاف مورا لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا أحد تحدث عن قرصنة للصحافة، فى حين أن الجريمة الوحيدة التى تم ارتكابها كانت هى القرصنة على مكتبنا، وتم الاستخفاف بالحياة الخصوصية، وأنا لا أفهم هذا الأمر وكيف أصبح العالم يتقبل ان الحياة الخاصة لم تعد حقا للناس؟!».

كلام مورا يثير الجدل والنقاش حول الحق فى الخصوصية ويطرح تساؤلا مهما يمكن صياغته على النحو التالى: إذا كان هناك لص سرق مالا أو شخصا لديه مال ولا نعرف من أين اكتسبه، خصوصا إذا كان حاكما أو وزيرا أو مسئولا أو قريبا لأحد من هؤلاء، هل لو عرفنا بأمر هذا المال بصورة غير مشروعة نكون قد انتهكنا حقه فى الخصوصية؟!.

لا أعرف الإجابة القانونية، لكن على المستوى الشخصى، فقد ضبطت نفسى سعيدا وأنا اقرأ تفاصيل الأموال التى وضعها حكام ومسئولون كثيرون فى حسابات سرية، لم تكن شعوبهم تعرف عنها شيئا.

مرة أخرى: أعتقد أنه من حق أى رجل أعمال أو نجم رياضى أو أى شخص عادى اكتسب أمواله بطرق شرعية، ولم يرتكب أى مخالفة، وسدد ما عليه من رسوم وضرائب، أن يضعها فى أى مكان سواء كانت جزر العذراء أو غير العذراء، إذا كان هدفه عدم دفع ضرائب كثيرة. لكن ليس من حق أى رئيس دولة أو ملك أو أمير أو مسئول رسمى أن يضع أموالا بصورة مشبوهة طالما أننا لا نعرف كيف اكتسب هذه الأموال.

هناك مسئولون كبار كانوا يحاولون ليل نهار إقناع مواطنيهم بتسديد الضرائب للخزانة العامة، ثم فجأة اكتشفنا أنهم يخفون أموالهم فى بنما؛ كى لا يسددوا ضرائب فى بلد يحكمونه!!!. هذا نموذج صارخ ولا ينبغى أن تأخذنا به رحمة أو شفقة، وهو نموذج غير أمين على بلده ومواطنيه، خصوصا الناس العاديين الذين وثقوا فيه وصوتوا له فى الانتخابات، وبالتالى ينبغى أن يخرج هذا المسئول ليشرح لمواطنيه كيف فعل ذلك وما هى مبرراته، والأهم من أين اكتسب هذه الأموال وبأى كيفية؟!.

البعض قال إن من حق نجوم الكرة أن يضعوا أموالهم فى أى مكان يشاءون، لكن البعض الآخر يجادل بأنه إذا كانت ثروة هؤلاء النجوم جاءت من ثمن التذاكر التى يدفعها المشجعون البسطاء، أليس من حق هؤلاء المشجعين أن يسدد النجوم الضرائب بصورة شرعية وشفافة؛ ليساهموا فى اقتصاد بلدهم ويرفعوا من مستواه؟!.

الخصوصية حق أصيل للجميع، خصوصا لآحاد الناس، لكن الشخصية العامة عندما تقرر الاندماج فى العمل العام، فإنها تفقد جزءا كبيرا من خصوصيتها، وتصبح مطالبة بأن تشرح للرأى العام الكثير من تفاصيل حياتها خصوصا المالية.

من حق صاحب مكتب فونيسكا أن يغضب ويحزن ويتألم؛ لأن مكتبه الذى أدار هذه العمليات المشبوهة لمدة ٤٠ سنة قد يتعرض لضربة مؤلمة، لكنه هو أيضا مطالب بأن يشرح للرأى العام فى بلاده والخارج كيف قبل إدارة ثروات جزء منها على الأقل مشبوه، أموال سرقها حكام وأولادهم وأصحابهم وأصدقاؤهم وصديقاتهم وأودعوها فى بنما.

المسألة ببساطة: نحن ندافع تماما عن حق الجميع فى الخصوصية، لكن أظن أن اللصوص وسارقى المال العام خصوصا إذا كانوا مسئولين، فإن انتهاك خصوصيتهم هو عمل من أعمال البر والتقوى والتقرب إلى الله.. افضحوهم يرحمكم الله.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي