هل الرد الإيرانى العسكرى على إسرائيل قبل يومين كان مسرحية تم إعدادها بإخراج أمريكى ومشاركة إقليمية ودولية، أم أنه تغيير لكل قواعد اللعبة فى المنطقة باتجاه الردع الإيرانى بدلا من الصبر الاستراتيجى؟
هذا السؤال صار مثارا للجدل الكبير فى منطقة الشرق الأوسط وأنحاء من العالم، بعد أن نفذت إيران هجوما عسكريا فى وقت متأخر مساء السبت الماضى ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، ردا على الهجوم العسكرى الإسرائيلى الذى دمر القنصلية الإسرائيلية فى العاصمة السورية دمشق فى الأول من أبريل الماضى، مما أدى إلى مقتل كل من فيها خصوصا المسئول المهم فى الحرس الثورى عن سوريا ولبنان الجنرال الإيرانى محمد زاهدى.
الذين يرون الرد الإيرانى مسرحية يستدلون على ذلك بأن إيران بنفسها اعترفت بأنها أبلغت الولايات المتحدة وعدد كبير من دول المنطقة خصوصا تركيا والعراق بموعد العملية العسكرية قبل تنفيذها بـ٧٢ ساعة، بل أكدت أنها لن تستهدف إلا القواعد العسكرية التى انطلقت منها طائرات الـ إف ٣٥ التى شاركت فى الهجوم على قنصليتها فى دمشق تطبيقا لمبدأ الدفاع عن النفس، وأنها أكدت للولايات المتحدة أنها لن تهاجم قواعدها فى المنطقة.
يقول أصحاب هذا الرأى أن الطريقة الإيرانية فى الرد أعطت إسرائيل فرصة ذهبية لانتظار الصواريخ قبل وصولها لأجوائها بساعات طويلة، وبالتالى تمكنت من تدميرها بوسائل الدفاع الجوى، كما أن هذا الإبلاغ مكن وسائل الدفاع الجوى الأمريكية والفرنسية والبريطانية من تدمير العديد من الصواريخ والمسيرات الإيرانية قبل دخولها للأجواء الإسرائيلية.
يضيف هؤلاء أن العملية الإيرانية لم تسفر عن أى خسائر إسرائيلية فى الأرواح أو حتى إصابات، الأمر الذى جعل قادة إسرائيل يقولون إنهم نجحوا نجاحا باهرا فى التصدى للصواريخ الإيرانية بنسبة ٩٩٪ مما يكشف أن القوة العسكرية الإيرانية «فشنك» وليست كما تصور طهران وأذرعها الدعائية. وأنه كان ينبغى على إيران أن تستخدم كل أسلحتها الهجومية بطريقة مفاجئة ومتواصلة حتى تجبر إسرائيل على وقف عدوانها على غزة، بدلا من الإعلان عن نهاية العملية بعد أقل من ساعات قليلة من بدايتها.
يضيف هؤلاء أن الضربة الإيرانية «الفشنك» أدت إلى لملمة الداخل الإسرائيلى لمصلحة نتنياهو، وإرجاع تعاطف كل الدول الكبرى خصوصا أمريكا وفرنسا وبريطانيا، بل إنها قد تعطى فرصة لتحالف دولى مع إسرائيل لمزيد من العقوبات ضد إيران، بل استهداف برنامجها النووى.
أما أصحاب الرأى الثانى فيقولون إن العملية العسكرية الإيرانية تطور مهم وخطير فى موازين القوى بالمنطقة وإن إيران استهدفت الأراضى الإسرائيلة مباشرة للمرة الأولى منذ الثورة الإسلامية فى إيران عام ١٩٧٩ وأنها تخلصت أخيرا من مفهوم «الصبر الاستراتيجى» الذى كانت تتبناه طوال السنوات الماضية إلى «الردع العلنى والمباشر».
وأنها رفضت كل الطلبات الأمريكية والغربية والمناشدات من الدول الصديقة حتى لا ترد، أو ترد ولكن ليس من أراضيها، أو ضد الأراضى الإسرائيلية وأنه يمكنها مهاجمة سفارة أو قنصلية إسرائيلية فى أى مكان بصورة متفق عليها، حتى تحفظ ماء وجهها.
يضيف هؤلاء أن الهجوم الإيرانى حتى لو كان مضبوطا ومحددا فقد كسر نظرية الأمن والردع الإسرائيلى، ووجه ضربات مباشرة إلى إسرائيل، بل إن هذه الساعات القليلة من الهجوم أرغمت غالبية سكان إسرائيل على النزول للملاجئ، وكلفت الخزينة الإسرائيلية حوالى مليار دولار، بسبب استنفار منظومة الدفاع الجوى الإسرائيلى أو منظومات التحالف الغربى.
يعتقد أصحاب هذا الرأى ومعظمهم من القوى والتنظيمات الموالية لإيران أن هذه الضربة بداية لتغيير فى موازين القوى بالمنطقة.
هذان هما الرأيان الأساسيان اللذان امتلأ بهما فضاء وسائل الإعلام الكبرى ووسائل التواصل الاجتماعى.
وفى المقال القادم إن شاء الله سوف أناقش الرأيين وصولا إلى ما أعتقد أنه «الرأى الثالث» الذى يضع الرد الإيرانى فى سياقه وحجمه الطبيعى، فهو لم يكن مسرحية كما يقول أصحاب الرأى الأول، لكنه أيضا لم يكن تطورا دراماتيكيا يقلب موازين القوى فى المنطقة كما يقول أصحاب الرأى الثانى.
لكنه فى كل الأحوال تطور شديد الأهمية قد يكون بداية لتطورات أخرى فى المنطقة.