يوم عرفة هو أفضل الأيام، وهو الركن الأعظم فى الحج عند المسلمين.
أكرمنى الله ووقفت على عرفات أمس السبت.
وصلت إلى عرفات مبكرا ليلة الجمعة، استيقظت وصليت الفجر، ونمت قليلا. ثم تجولت فى معظم الأرجاء وهى جولة كانت شديدة الصعوبة.
لأن درجة الحرارة كانت مرتفعة جدا جدا بشكل لا يمكن تخيله. ومن المكان الذى تواجدت فيه، حتى جبل الرحمة، قطعت حوالى تسعة آلاف خطوة بما يعادل حوالى ستة كيلومترات ونصف.
الزحام كبير جدا، وهو أمر منطقى ومتكرر فى معظم مواسم الحج؛ لأن هناك حوالى ٢٫٥ مليون مسلم يتواجدون فى نفس المكان فى وقت واحد.
ورغم ذلك، أشهد أن الأجهزة السعودية المسئولة عن الحج بذلت جهدا كبيرا فى التنظيم والشرطة موجودة فى كل مكان، والمتطوعون كذلك وحتى عصر يوم السبت موعد كتابة هذه السطور كانت كل الأمور على ما يرام.
وبسبب الحرارة المرتفعة، فإن أهم سلعة فى هذا الوقت كانت المياه والمظلة أو الشمسية. فى كل خطوة تجد من يقدم لك الماء أو اللبن الرايب أو العصائر المثلجة، بل أحيانا «الآيس كريم» والمظلات. وهم ليسوا فقط من جهات رسمية، بل هم جمعيات وهيئات ومتطوعون وأفراد، وعلى وجوههم سعادة لا توصف لأنهم يخدمون الحجاج.
ومن المشاهد المألوفة جدا وبسبب ارتفاع الحرارة تجد بعض الأفراد يقولون لك «برد برد» ثم يرشون عليك المياه للتخفيف من حرارة الجو، وكل ٥٠٠ متر تقريبا هناك مبردات مرتفعة مثبتة فى جانبى الطريق تقوم برش رذاذ المياه على المارة وبعض الحجاج يفترش المنطقة الموجودة أسفل هذه الأعمدة كى يضمن تكييفا طبيعيا.
هناك خيام بدرجات مختلفة حسب نوع الحملة التى تشترك فيها، بعضها مكيف ومجهز بكل شىء، وهناك كثير من الحجاج يفترش الشوارع ويقضى يومه تحت شجرة أو على جانب الشارع وأغلب الظن أن هؤلاء من الحجاج الذين جاءوا بمفردهم من دون الاشتراك فى حملات محددة.
ومن الملاحظات المهمة أن السلطات السعودية بذلت جهدا كبيرا فى موسم الحج الحالى لمنع المخالفين وقد استمعت إلى شرح موسع من قبل بعض مسئولى الشرطة فى «واحة الإعلام» التى أقامتها وزارة الإعلام السعودية فى جدة.
المسئول الأمنى قدم لنا شرحا وافيا لتطبيق شعار «لا حج إلا بتصريح» وقد شاهدت هذا الشعار مترجما على أرض الواقع وأنا أتنقل أكثر من مرة بين مكة وجدة، أو بين جدة وعرفات، فأى كمين أمنى ومن خلال رقم التأشيرة يعرف فورا إذا كنت تحج بصورة شرعية أم لا. وقد تم ضبط أكثر من ربع مليون مخالف للحج لم يكونوا يحملون تصريحا رسميا، وتم ترحيلهم إلى بلدناهم أو إبعادهم عن سائر منطقة مكة.
العمال المسئولون عن النظافة بذلوا جهدا كبيرا للغاية تخيلوا لو أن كل حاج شرب زجاجتين من المياه وطبقا به وجبة الغداء فسوف يكون لديك ٧٫٥ مليون فارغ، وأظن أن الرقم ضعف هذا التقدير بسبب كثرة استخدام زجاجات المياه والعصائر لارتفاع درجة الحرارة.
الطريق إلى جبل الرحمة ــ حيث خطب الرسول عليه الصلاة والسلام فى حجة الوداع ــ كان مزدحما إلى حد كبير، لأن كثيرين يريدون الصعود إلى الجبل، وللأمانة كان النظام جيدا بحيث إننى واثنين من الأصدقاء، لم نجد صعوبة تذكر فى الوصول لقمة الجبل.
والملاحظة المهمة أن غالبية الحجاج كانوا يلتقطون الصورة التذكارية فى أى مكان، خصوصا أمام وفوق جبل الرحمة. كاميرات الموبايلات صارت جزءا من كل شىء، وفى الحج فهى الموثق الأساسى للرحلة. وقد شاهدت البعض يقوم ببث رحلته بالفيديو، والبعض الآخر يفتح الكاميرا ليسجل رسالة لحبيب أو قريب أو صديق.
الملاحظة الأساسية هى أن الجميع متحابون متسامحون لطفاء كرماء، يساعدون بعضهم البعض، بل ويؤثرون على أنفسهم. وحينما شاهدت كل ذلك يتكرر أمامى سألت نفسى: لماذا يكون سلوكنا بهذه الروعة كمسلمين فوق جبل عرفات أو سائر مناسك الحج فقط، ولماذا لا يكون هذا هو سلوكنا طوال الوقت، والأهم لماذا لا نستغل هذه الطاقة الجبارة والهادرة لخير ورفعة الإسلام والمسلمين؟!
سؤال يحتاج إلى نقاش لاحق إن شاء الله.
عيدكم مبارك جميعا ورزقكم الله الوقوف بعرفة والطواف حول الكعبة وأن يتقبل الله حجنا جميعا ويجعله مبرورا.