ما هى حقيقة ممر التجارة الدولى الجديد الذى سيربط الهند بأوروبا عبر منطقة الشرق الأوسط؟
ومن الذى سيستفيد أو يتضرر منه وهل هو فعلا قابل للتنفيذ، أم أن تكلفته وصعوبة تأمينه وصيانته قد تجعله حبرا على ورق؟
قبل محاولة الإجابة من المهم، أولا، أن نلقى الضوء على تفاصيل هذا المشروع.
طبقا لتصريحات المسئولين ولما نشرته وسائل الإعلام المختلفة فإن كلا من الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات والاتحاد الأوروبى وقعوا على مذكرة تفاهم على هامش قمة العشرين التى انعقدت السبت الماضى فى نيودلهى.
المشروع يتضمن ممرين منفصلين هما الممر الشرقى الذى يربط الهند بالخليج، والممر الشمالى الذى يربط الخليج بأوروبا.
هو ينطلق من الهند بحرا عبر بحر العرب ومنها إلى الإمارات، ثم السعودية حيث سيمر بأراضيها أطول مسافة فى قلب الجزيرة العربية إلى الأردن، ومنها إلى الأراضى الفلسطينية المحتلة «إسرائيل» ومنها عبر موانئها على البحر المتوسط إلى إيطاليا وفرنسا ثم ألمانيا. وهناك مسار آخر من السعودية إلى العراق ثم تركيا ثم أوروبا.
وهناك تسريبات غير رسمية تقول إن خط السكة الحديد سيبدأ من أنجولا ثم الكونغو إلى زامبيا إلى تنزانيا، ومنها إلى المحيط الهندى بحرا ثم إلى الإمارات والسعودية وصولا إلى البحر المتوسط.
الممر الجديد يتضمن كابلا بحريا جديدا وبنية تحتية لنقل الطاقة والكهرباء والهيدروجين الأخضر ويربط الموانئ التى يمر بها، وحينما يكتمل المشروع فالمفترض أنه يتضمن شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السفن والخدمات.
الموقعون على مذكرة التفاهم اتفقوا على التوصل لخطة عمل خلال شهرين فقط، ويفترض بعدها أن يتم الإعلان الرسمى عن تفاصيل المشروع كاملة. خصوصا أنه لا يوجد إعلان رسمى من الدول الموقعة على مذكرة التفاهم بذلك، فالبعض مثلا يتحدث عن وجود روابط فرعية للخط الأساسى مع دول مختلفة فى المنطقة مثل عمان والبحرين.
والملحوظة الأساسية حتى الآن أن هذا المشروع يستبعد تماما إيران ولبنان، وهو استبعاد سياسى واضح، لكنه يتضمن العراق وتركيا.
النقطة الجوهرية تتعلق بالتمويل.. ومن يدفع ومن يتحمل التكلفة الأكبر. وهناك تسريبات تقول إن الاتحاد الأوروبى خصص ٣٠٠ مليار دولار للإنفاق على البنية التحتية فى الخارج خلال الفترة من ٢٠٢١ إلى ٢٠٢٧ من خلال «مشروع البوابة العالمية». وهو مشروع تم إطلاقه جزئيا لمنافسة مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، إضافة إلى الدفاع عن المصالح الأوروبية مع الشركاء الرئيسيين.
ربما تصريحات كبار المسئولين فى الدول المشاركة فى هذا المشروع توضح لنا بعض ملامحه. الرئيس الأمريكى جو بايدن قال إن الاتفاق تاريخى وسيساهم فى جعل الشرق الأوسط أكثر استقرارا وازدهارا، وسيوفر فرصا لا نهاية لها للدول المعنية، ما يجعل التجارة وتصدير الطاقة النظيفة أسهل كثيرا، إضافة إلى مد الكابلات التى تربط المجتمعات وتقوية سلاسل الإمداد، مما يؤدى إلى تحسين الأمن الغذائى.
ولى عهد السعودية محمد بن سلمان قال: إن المشروع يتطلب عملا دءوبا لتحقيقه وتحويله إلى واقع. علما بأن بن سلمان اتفق مع مودى على شراكة تقود إلى مستقبل واعد ووقعا ٥٠ اتفاقية، وبلغ حجم التجارة بين البلدين ٤٢٫٨ مليار دولار العالم الماضى.
أما رئيس وزراء الهند ناريندرا مودى فقال: هى مبادرة تضع بذورا تجعل أحلام الأجيال المقبلة أكبر.
ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبى أورسولا فون دير لاين قالت: المشروع أكبر بكثير من مجرد سكة حديد وكابلات، بل هو جسر أخضر ورقمى بين القارات والحضارات، وسيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة ٤٠٪.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فقد قال: إنها لحظة تاريخية لإسرائيل.. ويجعلها فى مفصل حركة التجارة الدولية، وسيعيد صياغة العلاقات فى المنطقة. الآن أصبحت إسرائيل دولة عبور من نوع مختلف، لقد أصبحت ملتقى الطريق الرئيسى فى الاقتصاد العالمى وجسر السلام الذى سيغير المنطقة.
ما سبق معلومات أولية، وفى مثل هذا النوع من المشروعات الكبرى يكون هناك فائض حماس وأحلام كبرى.
السؤال الجوهرى: إلى أى مدى هناك فرص حقيقية لتحويل هذا المشروع إلى واقع على الأرض، وهل يمكن تنفيذه من دون وجود علاقات طبيعية بين السعودية إسرائيل، ومن دون سلام عربى إسرائيلى يحل القضية الفلسطينية؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى هدوء وتروٍّ فى التفكير قبل الإجابة عليها.