حوار القلوب فى المقاهى - خولة مطر - بوابة الشروق
الإثنين 23 ديسمبر 2024 3:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار القلوب فى المقاهى

نشر فى : الإثنين 16 فبراير 2015 - 8:55 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 فبراير 2015 - 8:55 ص

يجلس الأربعة على طاولة فى ذاك المقهى.. لا يهم فى أية مدينة فالأربعة يمارسون نفس الطقوس مع اختلاف المقاهى والمدن.. يتواعد الأصدقاء يوميا بإصرار شديد ومع كثير من الوله والحاجة يتراكضون مسرعين للموعد القادم، يتحلقون حول المائدة ويستدعون النادل، ودون الحاجة لقائمة الطعام والشراب، التى يحفظونها عن ظهر قلب.. وقبل أن تصل الطلبات يعودون إلى هواتفهم النقالة. يرسلون بالرسائل على الواتس آب ويتابعون "البوستات" على الفيس بوك ثم ما إن تصل القهوة الكابتشينو بنكهة البندق حتى يأخذوا الصورة لترحل سريعا على الانستجرام ولا ضرر من "سيلفى" !!!
•••
اختلفت المقاهى ودورها، وأهدافها لم تعد هى للقاء وتبادل الحديث والآراء وربما بعض من النقاش حول أوضاع البلد والعالم.. أصبح الصديق الأول والأخير هو الهاتف رغم كثرة وتزاحم الأصدقاء إلا أن كلا مشغول مع آخرين على شبكة التواصل الاجتماعى.. لم يعد يعرف هذا الجيل كيف يتواصل بالطرق العادية والتقليدية جدا.. ربما يتوقف الأربعة فى محاولة للاتصال بأصدقاء آخرين لينضموا إليهم فى ذاك المقهى المزدحم بالوجوه الشابة التى لا يعكر صفوها سوى بضع وجوه من "الطراز القديم"، التى لاتزال تتصور أن المقاهى هى للالتقاء وليس للتواصل الافتراضى فى عالم افتراضى !!! فلم تعد المقاهى للتسامر والأحاديث ولقاء الأصدقاء والأحبة ولعب الطاولة أو الدومينو أو حتى "الكيرم" المعروف فى مقاهى الخليج الشعبية حيث الشاى المعطر برائحة الذكريات وكثير من الأوقات الحلوة التى كانت..
•••
زمان كان يوم العمل ينتهى بالذهاب للمقهى الذى يشكل أداة الترفيه والتواصل الوحيدة.. يحلق الأصدقاء فى جو شديد الحميمية حيث تسجل الجدران الصامتة كثيرا من ذاك الفرح المعطر بالمحبة.. وحتى عندما توسع مفهوم المقهى من الشكل التقليدى الشعبى الذكورى جدا إلى المقاهى الحداثية المختلطة، حيث الصبى والجمال والأناقة، بقى مفهوم المقهى هو مكان للقاء والتواصل وزيادة المعرفة وتحليل الأخبار السياسية المحلية منها والعالمية وتبادل الطرائف والنكات والغمز واللمز وحتى حل المشكلات الأسرية والزوجية !!!
بعض المقاهى كانت بسيطة جدا بموائد خشبية أو حديدية صغيرة وأخرى كانت تحمل طابعا مميزا حيث الموائد من الرخام الأبيض والكراسى من الخشب الخالص أو أرائك خشبية تقليدية حيث يصطف المتسامرون يجلسون وفى الكثير من الأحيان يبدأون حفلة من التعارف التلقائى.. كان اللقاء ليس بحاجة لموعد مسبق واتصالات مستمرة فقط يحضر كل من أراد أن يمارس إنسانيته الحقيقية فى التلاحم مع الآخرين من جيران ومعارف أو حتى أشخاص يلتقى بهم أو بهنّ للمرة الأولى...
•••
هى المقاهى عندما تتعولم وتكرر نفسها فى كل شارع أو حى حتى تصبح ذات لون واحد ومظهر أيضا واحد، لا طابع خاصا للمقاهى المعلومة ولا نكهة خاصة بل نفس الرائحة ونفس الطابع وحتى نفس الألوان رغم تلاوين المدن والأحياء فى الدول العريقة ذات الحضارات الممتدة فى عمق التاريخ..
لا ثرثرة فى المقاهى المعولمة فقط توقف عن التحليق فى شاشة الهاتف الجوال أو الكمبيوتر النقال للنظر سريعا والعودة إلى ذاك العالم الافتراضى.. لا قهقهةو لا اغتناص للحظة وحجزها لتطول الصحبة الحلوة والحديث المنقوش بكثير من العاطفة.. فى المقاهى التقليدية يكثر الحديث بالقلوب وليس بالألسن فقط وفى المقاهى المعولمة الحديث معولم أيضا ومنمق وشديد البرودة والجمود..
بعض من الجيل الافتراضى عاد للمقاهى التقليدية. ربما يبحث عن بعض من الدفء أو حتى عن التجديد بالعودة للقديم، ليس لجماله ولكن بحكم الملل السريع الذى يصيب كل من يحلق فى عوالم مختلفة لا تربطه بها سوى شاشة صغيرة جدا وجهاز شديد الصمت وحين ينطق لا يتقن الحديث إلا ككل الأجهزة من مساحات بعيدة عن القلب..
***
كان المقهى قديما بنكهة الأدب أحيانا وبالسياسة كثيرا من الاحيان من كافيه ريش حتى الهورس شو فى شارع الحمرا الذى كان عند زاوية الشارع حيث الرصيف ينطق بأبيات من الشعر وكثير من الأدب.. هناك ذكريات لأدباء وشعراء وكتاب وصحفيين زينت صورهم تلك المقاهى.. كان يقال أن على هذه الطاولة كان يجلس نجيب محفوظ فيتحلق حوله أعلام فى الأدب والفكر وهناك عند تلك الزاوية من ذاك الشارع الشهير بأضوائه اللامعة تجلس غادة السمان تناقش رواية جديدة لها أو قصيدة شعر لرفاق كثر..

كاتبة من البحرين

خولة مطر  كاتبة صحفية من البحرين
التعليقات