قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأسابيع قليلة قابلت زميلا قديما خلف دار القضاء العالى. وبعد السلامات والطيبات عاتبنى بشدة أننا فى «الشروق» ومعظم الصحف المصرية لا ننشر أخباره بالتفصيل!. سألته وما هى أخباره التى نطنشها؟! فقال بجدية، أنه مرشح لرئاسة الجمهورية وأن «الإعلام غير المهنى» لا يغطى أخبار كل المرشحين بصورة عادلة، ويركز فقط على متابعة أخبارالمرشحين عبدالفتاح السيسى وحمدين صباحى!.
حتى هذه اللحظة لم أكن مركزا أو «مجمعا» لكى أستوعب ما يقوله الزميل، وظننت أنه «ضارب ترامادول» جعله يغيب عن الوعى والدنيا بأكملها.
سألته. وهل أنت مرشح فعلا، فقال نعم، فسألته مرة أخرى وهل جمعت التوكيلات المطلوبة من المواطنين والمحافظات المختلفة أو أن حزبا رشحك؟! فقال لا. قلت له وكيف تصير مرشحا من دون استكمال الأوراق والمسوغات القانونية المطلوبة؟! رد بقوله: لا تركز على الشكليات أنا قررت كسر احتكار الانتخابات!
سألنى: وما هو تقييمك لترشحى؟!.
حتى هذه اللحظة كنت أفكر ببراءة، وبعفويتى الصعيدية وقلت له: «أنت زميل عزيز وأعرفك منذ مدة، ومادمت سألتنى، فوجب على أن أخبرك الحقيقة وهى ضرورة أن تتوقف عن هذا العبث الذى لن يجلب لك سوى التريقة والمسخرة».
هذا الزميل ــ الذى كان يعمل فى صحيفة مغمورة ــ غضب جدا من كلامى وعاتبنى بشدة، واتهمنى بأننى لا أفهم فى السياسة، وأننى «أكسر مجاديفه» ولا أشجع الشباب، ثم تركنى غاضبا؟!.
بعدها بفترة جاءنى زميل آخر قرر أن يترشح على منصب نقيب الصحفيين فى الدورة الماضية. وسألنى رأيى طالبا أن أكون صريحا معه. فقلت رأيى بصراحة تامة ونصحته ألا يترشح، فغضب منى غضبا شديدا على الرغم من أن الأصوات التى حصل عليها لم تتجاوز عشرين صوتا من بين جمعية عمومية تضم عشرة آلاف صحفى!. وما كان يحيرنى وقتها هو إقبال بعض الناس على خوض معارك يدركون تريليون فى المائة أنهم سوف يخسرونها!!!.
بعد هاتين الواقعتين قررت أن أتوقف عن اندفاعى الصعيدى وألا أدخل فى جدل بشأن موضوعات أراها عبثية، وعقول أكثر عبثا!!.
هذا القرار بدأت تطبيقه بهمة عالية هذه الأيام، إلا مع أصدقائى المقربين جدا، حيث أخبرهم رأيى بصراحة. وهكذا وخلال لقاءاتى مع عدد كبير من الزملاء المرشحين لانتخابات نقابة الصحفيين التى تجرى اليوم، وزياراتهم لنا فى الشروق، أو فى المقابلات واللقاءات العفوية، وكلما سألنى زميل: ما رأيك فى ترشحى أرد عليه بكلمات من قبيل: «تمام، فل انطلق، الله معك»، على الرغم من أنه لن ينجح إلا ستة أعضاء من بين أكثر من 70 مرشحا فى مجلس النقابة، وشخص واحد من بين سبعة مرشحين على منصب النقيب.
كان الله فى عون كل المرشحين لأن كل واحد منهم مضطر أن يجامل ويبتسم فى وجه الجميع، ويرد على تليفوناتهم فى كل وقت، ويزروهم فى الأفراح والأحزان، وإلا صار مقصرا ومتعاليا، ويقول كلاما يدرك أن معظمه لن ينفذ!!.
غالبية المناصب لم تعد مجزية الآن وانتهى البريق والأبهة والبرستيج وصارت هذه المناصب عبئا كبيرا، لا تجلب إلا كل أنواع الضغوط والأمراض المزمنة، وبالتالى لا أعرف لماذا يصر الجميع على التكالب عليها!. طبعا هناك مهمومون بالمهنة ويخافون عليها ولديهم استعداد طبيعى للتضحية من اجل ما يؤمنون به، لكن كلامى اليوم منصب على اولئك الذين يترشحون وهم يعرفون أنهم خاسرون لا محالة.
عموما أتمنى كل التوفيق للمرشحين الجادين فقط. ونأمل أن تسفر انتخابات الجمعة عن مجلس نقابة قوى وفعال سواء فاز يحيى قلاش أو عبدالمحسن سلامة. المهم أن يدرك الجميع أن الانقسام السياسى لن يدوم وهناك تهديدات وجودية تواجه المهنة بأكملها بل وصناعة الصحافة والإعلام. وربنا يستر فى الأيام المقبلة.