المجتمع بوصفه سؤالًا فكريًا - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 5:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المجتمع بوصفه سؤالًا فكريًا

نشر فى : الجمعة 16 يونيو 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : الجمعة 16 يونيو 2017 - 9:05 م
نشرت صحيفة الرياض السعودية مقالا للكاتب زكى الميلاد جاء فيه أن قضية المجتمع بوصفه سؤالا فكريا تفتح فى إطارها العام جدلية العلاقة بين الفكر والمجتمع، من جهة كيف يتصل المجتمع بالفكر؟ ومن جهة ثانية كيف يتصل الفكر بالمجتمع؟ فنحن أمام جهتين متقابلتين من ناحية الدور والحركة.
فى الجهة الأولى يكون المجتمع هو عنصر الحركة ساعيا باتجاه الارتباط بالفكر، وتصدق عليه فى هذه الحالة مقولة: (الفكر بوصفه سؤالا اجتماعيا)، وفى الجهة الثانية يكون الفكر هو عنصر الحركة ساعيا باتجاه الارتباط بالمجتمع، وتصدق عليه فى هذه الحالة مقولة: (المجتمع بوصفه سؤالا فكريا)
والسؤال ماذا تعنى هذه المقولة التى يجرى فيها النظر إلى المجتمع بوصفه سؤالا فكريا؟
أولا: المجتمع بوصفه سؤالا فكريا، أى أن يكون الفكر مهموما بالمجتمع، متصلا به، ومتفاعلا معه، ومنخرطا فيه، وهذا البعد على المستوى العام يلاحق الفكر دائما ويمثل له هما وقضية، ينشرح حين تتحقق هذه الرغبة، وينقبض حين تتعثر، ينشرح لأن المجتمع يشكل المجال الحيوى للفكر وبه ينمو ويزدهر، ومن دونه تتغير صورته، وتتبدل وجهته، وتتعثر مهمته، وتتقلص فاعليته، وليس هناك فكر يرغب فى عدم التواصل مع مجتمعه، أو ينقطع عنه بإرادته، إلا أن يكون فكرا باليا، أو فكرا ميتا، أو فكرا غير متنبه لذاته، وغير متبصر لحاله.
ثانيا: المجتمع بوصفه سؤالا فكريا، أى أن يكون الفكر قادرا على مساءلة المجتمع، ومحاججته ومجادلته ومساجلته، يسائله عن كل ما يتصل بما هو كائن وما ينبغى أن يكون، وعن حاجاته ومتطلباته، تأخره وتقدمه، حاضره ومستقبله.
وتأتى هذه المساءلة بقصد تحفيز المجتمع على النهوض، وعلى التخلق بالفكر، واكتساب القيم، والعناية بالعلم، وحب المعرفة، وإيقاظ الضمير، والتنبه للذات، والثقة بالإرادة، والأمل بالمستقبل الواعد، وبما يحقق تطلعات المجتمع وطموحاته القريبة والبعيدة.
والمجتمع من جهته، عليه أن يتقبل هذا الدور من الفكر فى أن يسائله، ويكثر فى مساءلته، ليس هذا فحسب بل عليه أن يسهل هذا الدور للفكر، ويطلبه ويصغى إليه، ولا يمتعض منه، أو يتغافل عنه، أو لا يكترث به، فليس هناك ما هو أفضل من الفكر فى مساءلة المجتمع، وليس هناك فكر أفضل للمجتمع من الفكر الذى يسائله.
وهذه المساءلة فى حقيقتها هى فعل تواصل، وتنم عن فعل تواصلى بين الفكر والمجتمع، أما الفكر الذى لا يسائل المجتمع، فهو فكر غير قادر على التواصل، وعلى توليد فعل التواصل، ويحصل ذلك إما بسبب روح التعالى، وإما بسبب عدم إتقان لغة القوم، وإما بسبب الانصراف والاستغراق فى الأعمال التجريدية البعيدة، الحالات التى هى من موارد ابتلاء الفكر، وكل فكر معرض للإصابة بها.
ثالثا: المجتمع بوصفه سؤالا فكريا، أى أن يكون الفكر قادرا على تكوين المعرفة بالمجتمع، وتحويل المجتمع إلى إطار قابل للفهم، ولا تتحقق هذه الخطوة إلا بعد عمليات متصلة ومتراكمة من الفحص والتشخيص والتجريب والاختبار، يتوج الفكر من خلالها النظر إلى المجتمع بوصفه سؤالا.
ومن دون تكوين هذه المعرفة، لا يستطيع الفكر إصابة السؤال المعبر عن سؤال المجتمع، الأمر الذى يعنى أن الوصول إلى هذه المرحلة لا يحصل بطريقة سريعة، ولا بطريقة عفوية أو فجائية، وإنما يحصل بطريقة ممنهجة وناضجة، يجد فيها الفكر قدرة على النظر إلى المجتمع بوصفه سؤالا.
رابعا: المجتمع بوصفه سؤالا فكريا، السؤال هنا له طبيعة خاصة، ويفترض أن يتسم بثلاثة ملامح أساسية، الملمح الأول: أنه سؤال مركب وليس سؤالا متجزئا، مركب لأنه ناظر إلى المجتمع فى كليته المركبة وليس لجانب أحادى منفصل عن الجوانب الأخرى، فالمجتمع وكل مجتمع له طبيعة مركبة تتصل فيها وتتفاعل جميع العناصر والجوانب الأخرى، الثقافية والدينية والاقتصادية والسياسية والتربوية وغيرها، والمجتمع بوصفه سؤالا فكريا هو بحث عن السؤال المركب الذى تتفرع منه وتتصل به الأسئلة التفصيلية الأخرى.
الملمح الثانى: أنه سؤال ناضج وليس سؤالا متعجلا، ناضج تظهر عليه سمات النضج، وينم عن خبرة ودراية من ناحية المعرفة، وعن حكمة ورشد من ناحية الفكر.
الملمح الثالث: أنه سؤال متحرك ومتجدد وليس سؤالا ساكنا وجامدا، متحرك لأنه ناظر إلى المجتمع فى حركته، وفى تبدلاته وتغيراته المتلاحقة والشاملة، فما دام المجتمع يتغير فالسؤال الناظر له لا بد أن يتغير كذلك، ليكون سؤالا مواكبا لهذا التغير، متفطنا له، ومتبصرا به، ومنشأ هذه القدرة كون هذا السؤال يختزل وعيا كبيرا وناضجا جعله متحركا ومتخطيا حالتى السكون والجمود.
هذا عن التحليل النظرى، أما التحليل التطبيقى فالمدخل إليه عن طريق التساؤل الآتى: هل المجتمع بالنسبة لنا يمثل سؤالا فكريا؟
لا أدرى إن كان هذا السؤال مطروحا فى ساحتنا الفكرية أم لا! وهل هو سؤال مفكر فيه أم لا!
لكنى أظن أن هذه القضية لم تأخذ حقها من الفحص والنظر والنقاش على المستوى الفكرى، ولا بد من إنجاز هذه الخطوة، حتى تظهر لنا وتنكشف كشرط للتقدم فى هذا الدرب، وليكن هذا السؤال هو نقطة البدء.

 

التعليقات