فى الرابعة والنصف من عصر أمس الأول الاثنين، تبادل اثنان من قادة السيارات الملاكى السباب على أولوية المرور فى شارع البطل أحمد عبدالعزيز، أمام هيئة المصل واللقاح وبنك الدم بالدقى.
وبعد فاصل معهود من الشتائم المنتقاة بعناية من قاموس البذاءة الشهير شمل الأب والأم وصولا إلى الجدود، اكتشف الاثنان أن الشتائم وحدها لا تكفى، فقررا تعميق المسألة بالاشتباك المباشر.. الأول شاب يقترب من الثلاثين، والثانى رجل تجاوز الخمسين.
وبعد أقل من دقيقة عاجل الشاب الرجل بلكمة قوية جعلته ينزف أمام جنود الشرطة وبعض الضباط.. تجمع المارة لإنقاذ الرجل من بين أيدى الشاب، لكنهم لم ينجحوا إلى أن حضر نقيب شرطة، ورغم ذلك ظل الشاب هائجا مطلقا العبارة المصرية الخالدة «إنت مش عارف بتكلم مين» فرد الرجل النازف بنفس العبارة متوعدا الشاب بتأديبه، فهدده الآخر بأنه سوف يسجنه.. كل ذلك والضابط المهذب هادىء للغاية لا يدرى ماذا يفعل.
وعندما فاض الكيل، أصدر النقيب تعليماته للشرطى بـ«كلبشة» سيارة الشاب، الذى بدأ يتحرش بالضابط شخصيا محاولا الاحتكاك به، لأن الأخير تجرأ وطلب منه رخصتى السيارة والقيادة. أجرى الشاب مكالمات تليفونية متعددة طالبا النجدة والمساعدة ضد الضابط الذى حاول تطبيق القانون، وفى النهاية رضخ الشاب بعد أن وجد أنه لا يستطيع بمفرده التغلب على قوة الشرطة الموجودة.
ورغم أننى بالنشأة والطبيعة لا أكن الكثير من الود لضباط الشرطة بحكم ممارسات غالبيتهم، فإننى كدت أذهب لأقبل و أحيى هذا النقيب الذى لم يرضخ، لكن الحياء منعنى، وأكملت طريقى إلى ميدان الدقى شاردا فى المستقبل المظلم الذى ينتظرنا جميعا من نوعية هذا الشاب أو سائق الميكروباص الذى دهس عمدا قبل أيام وكيل وزارة الإعلام الأسبق توفيق عبدالرحمن فى أحد شوارع المهندسين.
صرنا نعيش ازدواجية رهيبة.. ندعو إلى تطبيق القانون ونلوم الشرطة أنها لا تطبقه على الجميع، لكننا وعند أول تطبيق عملى يخصنا، نطالب الشرطة بعكس ذلك، ويسعى كل منا إلى الاتصال بقريبه النقيب أو العقيد، أو سؤال صديق أو قريب عن واسطة أكبر لكى نهرب من تطبيق القانون. لكن السؤال الأكبر والأخطر، والمكرر.. إلى أين نحن سائرون مع مثل هذه النوعية من البشر التى ترى نفسها أكبر من القانون ومن أى شىء فى البلد. الجميع تحدث عن إهمال الأمن العام لصالح الأمن السياسى أو أمن النظام، لكن لا أحد يريد أن يتصور بقية السيناريو المقبل.
عندما يكون الاهتمام فقط منصبا على مطاردة المعارضين وترك الكبار وأولادهم ينفذون قانونهم الخاص، فالمنطقى أن ينقلب هؤلاء الأولاد على من «ربوهم وأخرجوهم من القمقم».
أن يقتل شخصا بالسهولة التى قتل بها توفيق عبدالرحمن، وأن يضرب مواطنا لمجرد أن مواطنا آخر يعتقد أنه مسنود، فالمعنى الوحيد أننا متجهون بخطى ثابتة نحو الكارثة. لا فارق كبيرا بين الشاب المدلل الذى ضرب المواطن ثم أراد ضرب الضابط، وبين سائق الميكروباص ومساعده التباع اللذين قتلا الأديب توفيق عبدالرحمن.
الاثنان نتاج مجتمع مختل، أجهزة الأمن منشغلة بحماية الكبار، وشعب اكتشف أنه يعيش فى ظل قانون الغابة، فقرر أفراده أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم والبقاء للأقوى أو الأغشم، أو الأفسد.
رعب أكبر من هذا سوف يجئ.. فانفجروا أو موتوا!