عسكريون سابقون فى منصب رئيس الدولة - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الإثنين 16 ديسمبر 2024 3:55 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عسكريون سابقون فى منصب رئيس الدولة

نشر فى : الإثنين 17 مارس 2014 - 6:25 ص | آخر تحديث : الإثنين 17 مارس 2014 - 6:25 ص

لا أعرف ماذا سيكون عليه وضع المشير عبدالفتاح السيسى عندما تمر عينا القارئ على هذه السطور؟ هل سيكون فى موقعه وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة؟ أم أنه سيترجم ما وعد به منذ أسبوع بأنه لن يدير ظهره للمطالب الشعبية بترشحه رئيسا للجمهورية؟ أيا كان الوضع فهى مسألة وقت على الأغلب، وأنه سيستقيل من منصبه، ويصبح مواطنا مدنيا يتمتع بجميع الحقوق السياسية، ومن ثم يصبح عسكريا سابقا. ومع ذلك يخشى البعض، وإن لم يصرحوا به عبر أدوات الإعلام، بأن ذلك سيعيد مصر إلى فترة الحكم العسكرى التى عرفتها من قبل. وإذا كانت ثورة يناير تطلعت إلى إقامة الدولة المدنية، وهى دولة لا يحكمها لا العسكريون ولا رجال الدين، فقد يعتبرون ترشح السيسى ونجاحه المتوقع هزيمة لأحد الآمال الكبرى لهذه الثورة. ولكن أنصار ترشح المشير السيسى وهم كثيرون، سوف يسرعون بالقول إن ترشح ضابط سابق لا يعنى بالضرورة عسكرة النظام السياسى، ويضيفون انظروا إلى فرنسا التى حكمها الجنرال شارل ديجول إحدى عشرة سنة من 1958 حتى سنة 1969، ولم يقل أحد إن فرنسا قد تحولت إلى نظام عسكرى خلال فترة حكم ديجول الذى انتخبه الشعب الفرنسى لدورتين، ورفض ديجول إتمام دورته الثانية. ويذهب هؤلاء إلى القول بأنه حتى الولايات المتحدة انتخب شعبها الجنرال أيزنهاور رئيسا لفترتين، وفضلا على أنه كان محبوبا لم يدع أحد أن الولايات المتحدة صارت خلال مدتيه الرئاسيتين نظاما عسكريا، بل إنه يذكر أن أيزنهاور تحديدا هو الذى حذر الشعب الأمريكى من سيطرة التحالف بين العسكريين وكبار رجال الصناعة على مقدراته الاقتصادية ومجمل سياساته، واقترن منذ ذلك الحين مصطلح المركب العسكرى الصناعى باسم دوايت أيزنهاور. فلماذا لا تكون الأوضاع لدينا شبيهة بما عرفه البلدان فى ظل حكم كل من أيزنهاور وديجول، واللذان لم يشهدا انتهاكات لحقوق الإنسان بسبب توليهما السلطة؟ ولماذا يثير البعض هذه المخاوف؟. فهل يمكن بالفعل أن تصبح تجربة مصر مع حكم قادم ومحتمل لقائد عسكرى سابق مماثلة لما عرفه البلدان الغربيان؟

•••

لابد أولا من ملاحظة أن عزوف، بل وعدم تفكير أى من هذين الزعيمين فى عسكرة بلاده، لم يعد لكونه يفتقد الشعبية. كل منهما كان بطلا مغوارا يتمتع بتأييد واسع من الرأى العام فى بلاده، وعن حق. أيزنهاور هو الذى قاد الجيوش الأمريكية والحليفة فى أوروبا فى الحرب ضد قوات ألمانيا النازية وعلى يديه عرفت أوروبا والولايات المتحدة النصر ضد القوات النازية والفاشية المتحالفة معها فى إيطاليا. ورفع شارل ديجول راية المقاومة فى بلاده ضد قوات الاحتلال النازية ورأس حكومتها سنتين بعد التحرير، واعتزل السياسة اثنى عشر عاما حتى عاد لقصر الإليزيه مقر الرئيس الفرنسى منتخبا، ولكن فى ظل تمرد جنرالات الجيش الفرنسى فى الجزائر الذين تصوروا فيه منقذا لهم من حكومة ضعيفة وغير مستقرة لا تساند بما فيه الكفاية حربهم ضد الشعب الجزائرى. ومع ذلك حرص كل منهما على التمسك بالقواعد الأساسية للنظام الديمقراطى فى بلاده؛ بما فى ذلك الاحترام الكامل للحقوق المدنية والسياسية للمواطنين. خاض أيزنهاور الانتخابات مرشحا عن الحزب الجمهورى أحد الحزبين الرئيسيين فى الولايات المتحدة، وخاضها ديجول فى فرنسا مدعوما بحزب جديد أطلق على نفسه اسم الاتحاد من أجل جمهورية جديدة، وواجه أيزنهاور معارضة قوية من منافسه إدلاى ستيفنسون مرشح الحزب الديمقراطى الذى حصل على 44% من الأصوات مقابل 55% لأيزنهاور، وكان نصر ديجول سهلا لأن قوى اليمين والوسط كانت تؤازره فلم يحصل أقوى منافسيه وهو جورج ماران مرشح الحزب الشيوعى على أكثر من 13% من الأصوات وحصل المنافس الآخر ألبير شاتيه من اتحاد القوى الديمقراطية على 8% من الأصوات، واستأثر ديجول بتأييد 78% من الناخبين. ولكن الأمر المهم أن هؤلاء المنافسين تمتعوا جميعا بفرص متكافئة فى خوض الانتخابات، ولم تتحيز مؤسسات الدولة لأى من القائدين العسكريين السابقين، وجرت الانتخابات بكل النزاهة، ولم يشك أى من المنافسين الذين لم يوفقوا من أن نتيجة الانتخابات لم تعكس الإرادة الشعبية. ولعله من اللافت للاهتمام أن كلا منهما كان يقاوم امتداد نفوذ المؤسسة العسكرية خارج دائرة واجباتها المنصوص عليها دستوريا. حذر أيزنهاور من التحالف بين العسكريين ورجال الصناعة، ونجا ديجول من محاولة القادة العسكريين الفرنسيين التآمر لاغتياله، بل قام بعزلهم، وتفاوض مع جبهة التحرير الجزائرية وقبل فى النهاية باستقلال الجزائر فى سنة 1962. ومع أن ديجول قد انفرد بتحديد معالم دستور جديد لفرنسا، إلا أنه كان مدفوعا بالرغبة فى أن تخرج فرنسا من أزمة عدم الاستقرار الحكومى الذى عرفته فى ظل الجمهورية الرابعة التى سبقته، ولذلك مازال دستور ديجول هو الذى يحكم الحياة السياسية فى فرنسا حتى اليوم، وبعد خمسة وأربعين عاما على انسحابه من الحياة السياسية.

محاذير العسكرة فى الحياة السياسية المصرية

لا يمكن لمخلص لمصر إلا ويتمنى ألا يكون تولى عسكرى سابق رئاسة البلاد دفعة جديدة للمزيد من عسكرة نظامها السياسى. هناك أوضاع سيرثها أى رئيس قادم بحكم الدستور الذى يضفى على المؤسسة العسكرية مكانة خاصة تستقل بها عن كل السلطات المدنية التنفيذية والتشريعية والقضائية، فهى تستقل بتعيين وزير الدفاع، ولابد من استشارتها فى كل ما يتعلق بها من قوانين، وهى لا تخضع لأى قضاء مدنى بل تحاكم المدنيين أمام ضباطها، وقد يرضى المواطنون وأحزاب سياسية بذلك على أنه وضع مؤقت يمكن أن تنتهى بعض معالمه بنهاية فترتين رئاسيتين قادمتين، ولكن فيما يتجاوز ذلك لا يبدو أن هناك خطوطا واضحة تحدد أين ينتهى الدور السياسى للقوات المسلحة، وما هى حدود تدخلها فى الانتخابات. هل هى التى وضعت هذه الصور للمشير ببزته العسكرية التى يتابعها كل من يعبر كبارى القاهرة، ولم تحدد أى جهة فى الدولة مسئوليتها عنها، وتم تعليقها حتى من قبل أن يعلن المشير ترشحه، وبعضها يصفه على أنه الرئيس. غياب تصريح رسمى عن المسئول عنها يعزز الشكوك بأن مؤسسة فى الدولة هى التى رتبت وضعها على هذا النحو أو تغاضت عنه، وهو ما يوحى منذ البداية بأن أجهزة الدولة قد اختارت بالفعل أن يكون لها مرشحها فى الانتخابات القادمة وهو ما يخرج عن التزامها الدستورى بالحياد بين كل المرشحين وفى كل الانتخابات، يضاف إلى ذلك نقل قناة التليفزيون الحكومى وقائع أداة المشير صلاة الجمعة فى مسجد تابع للقوات المسلحة، وهى المرة الأولى فى تاريخ مصر التى ينقل فيها التليفزيون مثل هذه الوقائع لوزير الدفاع. بطبيعة الحال نحن لا نعرف من الذين سيختارهم المشير لإدارة حملته الانتخابية ولا من سيستعين بهم إذا ما تولى رئاسة البلاد، هل سنعود لنمط الخمسينيات والستينيات عندما كان للضباط السابقين حظ وافر فى تولى مناصب الوزراء والمحافظين والسفراء ورؤساء مجالس شركات القطاع العام. وهل سيكون وقف انتهاكات حقوق الإنسان تعهدا أساسيا فى برنامج المشير الانتخابى ومعلما لسياساته بعد انتخابه، وهو أمر لم يظهر بعد فيما نشر عن هذا البرنامج؟ وإلى جانب ذلك كله، هل ستمتد العسكرة إلى المجال الاقتصادى ؟

للقوات المسلحة واجب نبيل فى الحفاظ على أمن الوطن فى مواجهة تحديات خارجية هائلة، ولا يجب أن يحرفها عن ذلك الانشغال بقضايا الاقتصاد التى يجب أن تترك تماما للمؤسسات الإنتاجية والخدمية فى القطاعين الخاص والعام. جميل أن تساعد القوات المسلحة فى التخفيف من بعض المشكلات الطارئة برصف الطرق أو مد شبكات الكهرباء، ولكن ليس من مهامها الإشراف على مشروعات الإسكان ولا الانخراط فى إقامة المرافق فى إقليم قناة السويس. طبعا لابد من احترام مقتضيات الأمن القومى، ولكن هناك فارقا كبيرا بين الحرص على هذه المقتضيات ومزاحمة كل من القطاعين الخاص والعام فيما ليس هو المهمة الأصلية للقوات المسلحة والتى لا يجب أن يشغلها عنها أى شاغل.

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات