كتب أبوتمام بيته الشعرى الشهير: «السيف أصدق أنباء من الكتب / فى حده الحد بين الجد واللعب»، ولو عاش بيننا إلى اليوم وشاهد ما يجرى فى سوريا الان لتمسك بما كتب ولو كان على معرفة بالادب السورى فى السنوات العشر الأخيرة لأدرك أيضا أن الكتب أصدق من السيف وتسبقه أحيانا.
فقد رسمت الرواية السورية الكثير من ملامح المشهد الحالى وتنبأت بالفجيعة وأشارت لها بوضوح لكن أحدا لم يعرف أن سنوات الهول قادمة لا محالة.
حين مات حافظ الأسد وجاء بشار حدثت انفراجة قصيرة العمر كانت أشبه بعلامة تنصيص فى جملة طويلة تم إغلاقها تماما مع نهاية «ربيع دمشق» وبقى الخريف فوق الجميع.
شجعت تلك الانفراجة الكتاب السوريين على اختلاف اجيالهم للذهاب إلى «المسكوت عنه»، ومقاربة موضوع الطائفية بشجاعة وتم فتح ملف أحداث حماة التى يسميها السوريون «الأحداث» بغرض تقديم رواية أخرى لكتابة تاريخ سوريا المعاصرة تناقض الرواية الرسمية للاحداث.
وعلى امتداد تلك السنوات أعاد القراء العرب اكتشاف مساهمات حيدر حيدر، ممدوح عزام، نبيل سليمان وفواز حداد ثم وصلوا لمنهل السراج وخالد خليفة وخليل صويلح وسمر يزبك ومها حسن وديما ونوس وروزا ياسين حسن ولينا هويان الحسن.
وعلى اختلاف تلك المساهمات بقى ما يجمع بينها هو الرغبة فى كتابة التاريخ من أسفل وراح بعضها يشكل بفسيفسائه جدارية للخوف السورى إلى جاءت دراما العام 2011 وتمت تصفية الحراك المدنى بعسكرة ممنهجة بحيث لم يعد السوريون «محكومون بالأمل» كما كان يأمل سعدالله ونوس.
انخرط الجميع فى «مديح الكراهية» كما كتب خالد خليفة قبل خمس سنوات من هذه المحرقة. وكذلك تحولت المنامات التى كانت تكتبها سمر يزبك فى «لها مرايا» إلى «كوابيس» فى «المشاءة» روايتها التى صدرت العام الماضى.
أفرط السوريون فى الأمل وأفرط العالم فى الألم والعقاب ولم تعد المشكلة مع النظام أو مع حلفائه وإنما مع الانسانية كفكرة.
وفى غمضة عين تحولت سوريا إلى «جنة البرابرة» كما كتب خليل صويلح فالكل دخل «اختبار الندم» كما أشارت إلى ذلك روايته التى كتبها بنفس العنوان ونالت الاسبوع الماضى جائزة زايد للكتاب.
وعلى الرغم من الشتات الكبير الذى يعيشه السوريون لم يعرف الأدب إلى الان تناقضا فى الروايات المقدمة عما جرى، فالرواية التى يكتبها المقيمون فى الداخل على تماس مع ما تطرحه روايات من اختاروا الخروج ف «اختبار الندم» تقول بطلتها «أعرنى وسادتك كى أنجو من الكوابيس».
وعلى صعيد التقنية تبدو روايته التى تنتظم فى شذرات أقرب لشظايا تنحاز لنمط اليوميات وهى فى ذلك لا تختلف عن الخيار الفنى الذى لجأت له ديما ونوس فى روايتها «الخائفون» (دار الآداب) المرشحة لجائزة البوكر هذا العام التى تقرأ نفسها فى اليوميات التى كتبها صديقها نسيم الكاتب الخائف.
وكما رحلت واحدة من بطلات صويلح لكندا وحملت معها أشباح خوفها وكوابيسها رحل أيضا «نسيم» بطل «ديما ونوس» إلى ألمانيا تاركا مفتاح بيته وفيه أوراقه لحبيبته التى التقاها عند «كميل» الطبيب النفسانى الذى لا ينجو من الاضطراب فى زمن الحرب وما يقوله الادب عن السوريين اليوم أوجزته ديما فى عبارات واضحة وضوح الشمس: «لقد أصبحنا قصة واحدة. كما كنا عن بعضنا بعضا، فى المدرسة وفى البيوت وفى الشوارع وفى صالات السينما القليلة الموجودة فى دمشق وفى المسارح وفى الدوائر الحكومية.. ها نحن نصير قصة واحدة، نسخا مريضة عن بعضنا بعضا».