تظل 5 يونيو 1967، جرحا نازفا فى الوجدان المصرى، ليس لأنها الهزيمة الأكثر إيلاما، والأشد قسوة ومرارة، لكن لأن هناك من يريد لها ــ كل حسب غرضه أو مرضه ــ أن تبقى أداة لبث عدم الثقة فى ذواتنا، وتحطيم كل رغبة أو سعى لتجاوز التحديات التى قد تواجه مسيرتنا الوطنية، والنيل من قدرتنا على التغلب على الصعاب التى تعترى طريقنا كشعب يحلم بالإفلات من ربقة الثلاثى الشهير: الفقر والجهل والمرض.
من هنا لا تمر ذكرى 5 يونيو كل عام من دون أن تخرج علينا جوقة الندب والنواح، وفتح الجراح ليس لتطهيرها، كما يزعم بعضهم، ولكن لرش المزيد من الملح، وتهييج الأعصاب لإحداث أكبر ألم ممكن، وتجاهل هؤلاء أن الهزيمة المروعة لم تنجح فى كسر إرادة شعب واجه عدوه بعد أيام قليلة من الانكسار، ليخوض حرب الاستنزاف التى لم تنل القدر الكافى من التقدير والاهتمام، وهو ما حاول فيلم «الممر» لفت الانتباه إليها، بكتيبة من النجوم قادها باقتدار المخرج شريف عرفة.
الفيلم يبدأ بتجسيد الظلم الذى وقع على الجندى المصرى، بإهمال اعداده بالشكل المستحق لمواجهة عدوه، وتركه فى عراء الصحراء وسط «فوضى عارمة»، وبما يوسع دائرة الجدل التى لم تغلق رغم مرور 52 عاما على 5 يونيو67، حول من يتحمل المسئولية التاريخية عن الهزيمة.. هل هى القيادة السياسية فى ذلك الوقت، أم القيادة العسكرية؟
ورغم حساسية بعض الناصريين كلما فتح باب النقاش حول ما جرى فى 5 يونيو، إلا أن عبدالناصر نفسه اعترف بالمسئولية السياسية والعسكرية، وبوقوع اخطاء على أكثر من صعيد، ولعل محاضر اجتماعات مجلس الوزراء التى كشف النقاب عن بعض أوراقها فى الفترة الأخيرة خير دليل، كما أننا لا نحتاج إلى التذكير بخطاب التنحى الشهير.
هنا أجد من الظلم اختصار «الممر»، الذى يسجل واحدة من البطولات العديدة للجيش المصرى، فى معارك جانبية لا داعى لها، فلو كان عبدالناصر، عاشق السينما، حيا لرحب بالفيلم فى تقديرى، كما أننا أمام عمل فنى لن يرضى جميع الأطراف، لكن يكفى صناعه نجاحهم فى جذب جمهور الشباب بشكل أساسى لمشاهدة نوعية من الأفلام التى غابت طويلا عن الشاشة الفضية لصالح أعمال رديئة نعانى آثارها السلبية فى بعض السلوكيات.
لن أخوض كثيرا فى مشاهد المعارك الحربية التى لا تقل جودة عن مثيلتها فى أفلام عالمية ممهورة بكلمة «صنع فى هوليوود»، لكنى سأتوقف أمام بعض الرسائل فى مقدمتها أن «الممر» يعرض لمجموعة من رجال الصاعقة المصرية، خلال تنفيذهم مهمة بطولية تتلخص فى تدمير معسكر رئيسى للعدو فى سيناء بعد وقت وجيز من 5 يونيو، للتأكيد على أن إرادة القتال لم تنل منها الهزيمة رغم فداحتها.
الرسالة الثانية أن العدو الإسرائيلى سيبقى عدوا رغم كل محاولات محو ذاكرتنا الوطنية، وفرض الكيان الصهيونى على المنطقة عبر قوى إقليمية ودولية، وبالتالى كان طبيعيا أن ينال أبطال «الممر» وفى مقدمتهم أحمد عز التصفيق الحاد فى أكثر من مشهد، لأن الفيلم يسمى الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فهذا «عدو» وذاك شقيق.
الفيلم رغم تركيزه على المعارك الحربية التى وفرت لها إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة الإمكانيات اللائقة لصنعها، إلا أنه لم يتجاهل حالة الإحباط التى انتابت الجبهة الداخلية فى أعقاب الهزيمة، قبل أن يلملم المصريون جراحهم، ولعل الدور الذى جسدته هند صبرى زوجة الضابط نور (أحمد عز) عبر بشكل واضح عن قدرة المرأة المصرية على مساندة زوجها ليستعيد ثقته فى ذاته، فى رسالة ثالثة تقول إن إيزيس حاضرة عند الشدائد.
محطات عديدة حملت فى الفيلم نقدا للذات، خاصة فى ملفى تهجير أبناء النوبة بعد بناء السد العالى، وتجاهل التنمية فى المناطق النائية والبعيدة عن العاصمة خاصة فى الصعيد، غير أن شخصية الصحفى إحسان التى لعبها أحمد رزق، الذى رافق ابطال الصاعقة فى مهمتهم، تحمل ظلما للمنتمين إلى مهنة الصحافة، صحيح أن هناك من عملوا مستشارين إعلاميين للراقصات، غير أن وسط هؤلاء أيضا من كتب التوجيه الاستراتيجى لحرب أكتوبر 1973، ومن كانوا شركاء فى صنع النصر.
بقى أن الفيلم، ورغم بعض الهفوات الفنية، يعطى إخوتنا من أبناء قبائل سيناء جزءا من حقهم فى الإشادة بالتضحية دفاعا عن الأرض، ولعل دور أبورجيبة الشاب البدوى الذى لعبه محمد جمعة، تجسيد لهذا المعنى الذى اكتمل مع نهاية الفيلم بعودة الجندى الصعيدى الشجاع هلال (لعب الدور محمد فراج) من مهمته برفقة عروسه السيناوية فرحة (أسماء أبواليزيد) إلى والده تاجر الفاكهة المكافح، لتعم «الفرحة» بالتحام أبناء مصر وقت المحنة.