هناك فرصة ذهبية أمام الحكومة لتبعث برسالة لجموع الشباب بأنها لا تعاديهم.
الهدية الذهبية وفرها الحكم القضائى المهم الذى أصدرته محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد على الفقى بإخلاء سبيل علاء عبدالفتاح ومحمد عبدالرحمن ووائل متولى بضمان مالى، كما قررت المحكمة التنحى عن نظر الدعوى لاستشعار الحرج.
القضية ليست علاء عبدالفتاح وأربعة وعشرين متهما آخرين فى القضية المعروفة إعلاميا بأحداث مجلس الشورى أو قضية سجن شقيقته بتهمة خرق قانون التظاهر أمام قصر الاتحادية. القضية باختصار هى علاقة ثورة 30 يونيو والحكومة الحالية بالشباب أو المجتمع الحقوقى خصوصا والمجتمع المدنى عموما.
يقول البعض خصوصا من بقايا نظام حسنى مبارك إنه لا ينبغى إبداء أى قدر من التسامح مع مثل هؤلاء الحقوقيين والناشطين، بل المطلوب هو الانتقام منهم باعتبارهم فى قلب «المؤامرة ضد مصر منذ 25 يناير 2011».
مثل هؤلاء وكل من يتبنى رأيهم هم الأخطر على الرئيس عبدالفتاح السيسى.
بطبيعة الحال، لا يقبل أى عاقل أى خروج على القانون، وينبغى أن يطبق القانون على الجميع، لكن ينسى كثيرون أن الأمر أولا وأخيرا سياسة وليس فقط مجرد نصوص قانونية.
هناك تيار داخل الحكومة يعرقل أى تقدم نحو مصالحة الدولة مع الشباب، ويضغط فى اتجاه توسيع دائرة الانتقام. وللتوضيح فالمصالحة هنا لا تعنى الاخوان بل الشباب الذى كان وقود ثورتى يناير ويونيو ثم وجد نفسه فى صدام مع السلطة.
ومن حسن الحظ أن التيار العقلانى يتزايد ويدرك أن التوتر بين الدولة والشباب يصب فقط فى اتجاه الإرهابيين الذين يريدون صراعا عبثيا لا ينتهى إلا بتحول مصر إلى عراق أو سوريا جديدة.
مرة أخرى المسألة سياسة أولا وأخيرا، وعلى التيار العقلانى أن يسأل نفسه بهدوء: ما الفائدة من وضع مجموعة من الشباب داخل السجون على ذمة الحبس الاحتياطى أو حتى على ذمة قضايا منظورة، ثم ما هو سر الإصرار على عدم تعديل قانون التظاهر؟.
الحمد لله أن هناك من نزع الفتيل. وحكم محكمة الجنايات وفر السلم الذى ينزل من عليه الطرفان، وبدلا من اتساع ظاهرة إضراب «حملة الأمعاء الخاوية» من قبل أحزاب شاركت فى ثورة 30 يونيو، سمعنا بعد ظهر يوم الاثنين الماضى ترحيبا واسع النطاق بإخلاء سبيل علاء عبدالفتاح وزملائه، وترحيبا مماثلا بإحالة المسئول عن إذاعة شريط أسرة علاء داخل المحكمة أثناء عرض الأدلة.
ومثلما انتقدت فى هذا المكان المسئول عن تسريب هذه اللقطات الخاصة لأسرة علاء عبدالفتاح فى قاعة المحكمة وجب علينا أن نشيد بالمحكمة التى قررت التحقيق فى الأمر. هذا القرار يعنى أن الدولة أهم من أى شخص اتخذ القرار، والأهم أنها رسالة إلى أى شخص يفكر فى انتهاك خصوصية أى متهم آخر.
نعود إلى أصل الموضوع ونخرج من التفاصيل الصغيرة إلى القضية الأكبر، وهى الشباب. بعد أيام سيبدأ الموسم الجامعى الجديد، وبدلا من تكرار ما حدث فى العام الماضى، حينما كانت العناوين هى المواجهات والاشتباكات والمولوتوف، ينبغى على الدولة أن ترفع شعار احتواء الشباب بكل الطرق الممكنة، أما من يصر على العنف فالقانون موجود.
مرة أخرى السياسة ليست انتقاما ومن تتصور أنه عدوك قد يتحول إلى صديقك، وهناك أفق جيد لتعمل السياسة بعد أن تعطلت كثيرا لصالح المنظور الأمنى. حكم يوم أمس الأول وفر الطريق المناسب. المهم أن تكون هناك رؤية متكاملة حتى لا تسير الأمور بصورة عشوائية.