قد نتفاجأ أن حل الأزمة فى الجمعية التأسيسية بشأن كتابة الدستور الجديد ربما سيأتى من أمريكا وأوروبا.. هل هذا لغز؟!
مفارقات السياسة وغرائبها بلا حصر، والكثير منا ما يزال يعتقد أن العلاقة التى تربط جماعة الإخوان المسلمين وحزبها «الحرية والعدالة» بالغرب هى علاقة صدام وتنافر.
والحقيقة أن الأمر ليس كذلك، وهذه ليست تهمة، بل محاولة لتوصيف واقع يجده البعض غريبا خصوصا ذوى النية الحسنة الذين يصدقون شعارات بلا مضمون يطلقها أحيانا بعض قادة الإسلام السياسى ليس فى مصر فقط بل فى كل المنطقة بشأن علاقتهم بالغرب.
هل نسينا أن إيران فى عز عنفوانها الثورى أيام الإمام الخومينى كانت تسب أمريكا ليل نهار وتصفها بالشيطان الأكبر فى حين كانت تنسق مع المخابرات المركزية لشراء الأسلحة من إسرائيل لمحاربة العراق، على أن يذهب عائد المبيعات إلى ثوار الساندنيستا فى نيكاراجوا، وهى الفضيحة التى عرفت باسم «إيران ــ كونترا».
ومع فارق التشبيه تماما فإن الإخوان المسلمين والإسلام السياسى فى منطقتنا يحتاج عمليا لدعم واسع من الولايات المتحدة والغرب من أجل تثبيت أقدامه فى السلطة الجديدة، وهذا الدعم يتمثل فى الاعتراف السياسى وقد تم بالفعل، ثم المعونات والقروض الاقتصادية وهى قيد التحضير.
فى الناحية الأخرى وتلك هى المشكلة فإن هذا التيار الحاكم مطالب بأن يقدم المقابل لهذا الدعم الغربى، لأن الطرف الأخير برجماتى نفعى ولا يؤمن بنظرية الحب العاطفى أو الغزل العفيف المجانى.
والسؤال ما المقابل الذى يطلبه هذا الغرب؟!
المطالب الرئيسية معروفة مثل تحقيق مصالحه الاستراتيجية من فتح أسواقنا أمام بضائعه إلى ضمان استمرار تدفق الطاقة نهاية بالحفاظ على أمن إسرائيل.
تلك مطالب غربية تقليدية، لكن يبدو أن مطلبا جديدا ستتم إضافته وربما تم نقله مؤخرا للقاهرة وسائر العواصم التى مر الربيع العربى بها مثل تونس وليبيا، وهذا المطلب هو أن يبدى الإسلاميون تسامحا مع الحريات وقضايا المرأة وألا يتحولوا إلى «نماذج طالبانية»، وأن ينفتحوا على الآخر الليبرالى أو المدنى.
هل يفعل الأوروبيون والأمريكيون ذلك حبا فى عيون المصريين الخضراء والزرقاء أو رغبة منهم فى شيوع الديمقراطية؟!
المؤكد أن الإجابة هى لا، فليس من مصلحتهم أن نكون ديمقراطيين فعلا، لكنهم لا يريدون للنماذج المتطرفة عندنا أن تنمو وتترعرع لأنها مثل القنبلة الموقوتة والمتحركة التى تهدد إسرائيل وتهدد الغرب شخصيا.
مرة أخرى علاقة الإسلام السياسى بالغرب ليست جريمة، وعندما يكون هذا الإسلام فى الحكم فإنه لا يستطيع أن يدخل فى صراع عنيف ومفتوح مع كل من يختلف معه، ربما يفعل ذلك فى المستقبل عندما يكون متمكنا وممتلكا لعناصر القوة الشاملة.
لكن وإلى أن يحدث ذلك فإن الإخوان المسلمين يجدون أنفسهم مضطرين إلى «جر ناعم» مع هذا الغرب، وبالتالى الإنصات إلى ما يقوله.
الأمر يشبه إلى حد كبير الاستجابة لروشتة صندوق النقد الدولى ولكن فى السياسة، وبالتالى فربما يضاف شرط جديد للمعونات والقروض والاستثمارات هو أن يكون هناك دستور يحظى بالتوافق العام.
بالطبع يتمنى المرء أن يستجيب الإخوان لنداءات القوى المدنية المصرية وينجزوا دستورا مدنيا ديمقراطيا اجتماعيا ينحاز للمستقبل ولا يغرق فى الماضى.
ستكون مأساة لو تطرف الإخوان مع بقية القوى السياسية المصرية فى الداخل، واستجابوا لنداءات وطلبات وشروط القوى الغربية فى الخارج.
إذا حدث ذلك وجب علينا أن نسأل: هل عاد الغرب عموما وأمريكا خصوصا ناخبا أساسيا فى قضايا الداخل المصرية خصوصا المصيرية منها؟!