بعض سائقى التاكسى بدأوا يفتون فى أمور الطب، خصوصا علم الفيروسات.
قبل أيام قليلة ركبت تاكسى، وطلبت من السائق بكل هدوء أن يرتدى الكمامة، فرفض قائلا: يا باشا طالما حضرتك لابس الكمامة، فما الداعى لأن ألبسها أنا.. يكفى واحد فينا فقط! ثم بدأ يشرح نظريته فى كورونا بأنها «وهم فى وهم، وهدفها ضرب الدول العربية والإسلامية». قلت له ولكن من هو صاحب المؤامرة الأصلية؟ فأجاب: «إزاى تكون حضرتك مش عارف.. طبعا أمريكا وأوروبا»!
قلت له، ولكن أمريكا وأوروبا، هم الأكثر تضررا من انتشار هذا الفيروس من حيث نسبة الإصابات والوفيات، فقال إن كل ذلك مجرد حركات حتى نقتنع نحن بالمؤامرة! واتهمنى ضمنا بعدم الفهم!!
وللموضوعية فإن عدم ارتداء الكمامة لم يعد قاصرا على بعض سائقى التاكسى والميكروباصات. هو أمر شائع فى قطاعات عديدة.
فى الفترة الماضية ذهبت كثيرا إلى قنوات فضائية فى مدينة الإنتاج الإعلامى. سائقو هذه القنوات معظمهم لا يرتدى الكمامة، والأمر نفسه مع بعض العاملين داخل الاستديوهات. أحدهم جاء يركّب لى «المايك»، فطلبت منه أن يرتدى الكمامة أولا، فكرر لى نفس نظرية سائق التاكسى، بأنه من المهم أن يرتدى الكمامة شخص واحد وليس شخصان، أصررت على طلبى فاستجاب.
ورغم ذلك هناك تغيرات إيجابية يوم الأحد قبل الماضى ذهبت إلى محطة القطارات المركزية فى رمسيس. فوجدت موظفا على مدخل كل باب رئيسى يمنع دخول أى شخص لا يرتدى الكمامة.
نفس الأمر وجدته على مداخل أبواب التليفزيون المصرى فى ماسبيرو، حينما ذهبت إليه يوم الثلاثاء قبل الماضى ضيفا على برنامج «صباح الخير يا مصر».
أيضا فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الأسبوع قبل الماضى، كان النظام مثاليا فى الدخول وقياس درجات الحرارة وكذلك فى التباعد الاجتماعى فى ترتيب المقاعد. فى الجزء الأول كان كل مقعدين متقاربين إلى حد ما، لكن داخل المسرح الكبير وخلال عرض فيلم الافتتاح «الأب» كان هناك تباعد اجتماعى أوضح.
جيد أن تصر المؤسسات المختلفة على إلزامية ارتداء الكمامة، لكن من الواضح أنه وبعد الدخول فإن الالتزام لا يصبح هو القانون السائد.
فى مؤسسات كثيرة زرتها فى الفترة الأخيرة ركزت فى سلوكيات الناس داخلها، وكانت الملاحظة الأساسية هى أنه وبعد الدخول فإن الغالبية لا تلتزم بارتداء الكمامة.
يعتقد البعض ربما أن الفيروس لا ينشط بين الأصحاب والأصدقاء والمعارف والأهل والخلان! قد يكون ذلك منطقيا داخل البيت الواحد باعتبار أن أهل هذا البيت أكثر حرصا وأكثر وضوحا بسلوكياتهم كل لحظة وأكثر معرفة بحالتهم الصحية التفصيلية، لكن من يدرينى أن الشخص الذى لا أعرفه، ربما يكون مصابا!
وللموضوعية أيضا فإن نظرية المؤامرة لا تقتصر أيضا على بعض السائقين، لكنها موجودة لدى قطاعات كثيرة، منها بعض كبار المتعلمين، بل وشخصيات عامة، غير مقتنعة بالموضوع من أساسه.
بعض الزملاء كتب لى معلقا على بعض صورى المنشورة على صفحتى بالفيسبوك يقول لى: كيف تنصح الناس بارتداء الكمامة وأنت لا ترتديها؟! إجابتى هى أننى أحرص دائما على ارتدائها، لكن فى مرات كثيرة وحينما ألتقط صورا مع زملاء أو أصدقاء أو حتى أناس لا أعرفهم يطلبون منى أن أخلعها لحظة التصوير فقط، فأفعل بحرص شديد.
مرة أخرى نعود إلى السؤال الجوهرى: من أين أتت كل هذه الثقة لكثير من الناس الذين لا يرتدون الكمامات؟!
هل هم واثقون فى أنفسهم وفى مناعتهم لهذه الدرجة؟!
المفترض أنهم قرأوا وسمعوا وشاهدوا الكثير من أقاربهم ومعارفهم يعيشون أياما صعبة خلال إصابتهم بالفيروس، والمؤكد أن بعض هؤلاء قد توفوا، فهل بعد الموت من رادع؟!
للأسف لا يفيق كثير من هؤلاء إلا بعد وقوع الواقعة، وللأسف أكثر أن بعض هؤلاء وهم من الشباب صغير السن قوى المناعة لا يدركون أنهم يتسببون فى كارثة أكثر لأسرهم وأقاربهم ومحيطيهم من كبار السن. هم يصابون ويحملون المرض والأعراض لا تظهر عليهم، لكنها تنتقل بسهولة إلى الآخرين من كبار السن.
من سوء الحظ أن فئة المستهترين والمنفلتين لا تفيق إلا على مصيبة، وعلى الدولة أن تكون أكثر حزما معهم، حتى لا نصل إلى الحال البائس، الذى وصل اليه كثيرون فى العالم.