الرئيس الصينى شى جين بينج يجتمع فى قمة مهمة مع قادة الدول العربية فى الرياض الأسبوع الماضى، وبعدها بأيام قليلة يلتقى الرئيس الأمريكى جو بايدن مع قادة الدول الإفريقية فى قمة موسعة فى واشنطن، وقبلها اجتمع الرئيس الأمريكى مع القادة العرب فى جدة. والتفسير المبدئى أن الصراع الأمريكى الصينى صار يتضح أكثر فأكثر فى العديد من مناطق الكرة الأرضية خصوصا فى منطقتنا العربية وقارتنا الإفريقية.
يعتقد كثيرون أن الخطر الرئيسى الذى تخشاه واشنطن هو روسيا، خصوصا بعد غزوها لأوكرانيا فى فبراير الماضى، لكن غالبية التقديرات الأمريكية تقول إن روسيا قوة عسكرية كبيرة ولديها ترسانة نووية ضخمة، لكن المؤكد أنها دولة متوسطة للغاية اقتصاديا، وناتجها المحلى الإجمالى لا يتجاوز ١.٧ تريليون دولار، فى حين أن الناتج المحلى الإجمالى للصين أكثر من ١٧.٧ تريليون دولار فى المركز الثانى مباشرة بعد الولايات المتحدة المتصدرة بأكثر من ٢٢ تريليون دولار.
والمخاوف الأمريكية الكبرى هى أن الصين مرشحة لتحتل الصدارة الاقتصادية عالميا بحلول عام ٢٠٣٠ وربما قبل ذلك.
وبسبب هذا الكابوس الذى تخشاه الولايات المتحدة فهى بدأت منذ إدارة أوباما تركز عيونها على الصين بدلا من الغرق فى مشكلات مناطق أخرى ومنها المنطقة العربية والشرق الأوسط.
ثم جاءت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وبدأت تتعامل مع الصين باعتبارها العدو الاقتصادى، وفى هذا السياق شاهدنا الرسوم الجمركية المتتالية التى فرضتها إدارة ترامب على الصادرات الصينية، ثم التدخل الأمريكى الخشن لمنع تعاقد الدول الغربية مع الصين على تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس وصولا إلى محاولة منع تطبيق «تيك توك» الصينى باعتباره قوة ناعمة صينية، بل واعتباره أداة لاقتحام حسابات وبيانات المواطنين الأمريكيين والغربيين.
الصين جاءت إلى السعودية وقابل رئيسها قادة الدول العربية وقدم إليهم خطابات عاطفية كثيرة مصحوبة بعروض اقتصادية واستثمارية مختلفة، وقبله جاء لنفس المنطقة الرئيس الأمريكى جو بايدن والتقى بقادة تسع دول عربية، لكن من أجل إقناع السعودية والخليج بزيادة إنتاج البترول حتى لا تؤثر على فرص الديمقراطيين فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، لكن الذى حدث أن «اوبك بلس» خفضت الإنتاج بنحو ٢ مليون برميل يوميا، الأمر الذى اعتبرته إدارة بايدن دعما لروسيا وتمويلا لآلاتها الحربية فى أوكرانيا.
الولايات المتحدة أهملت إفريقيا كثيرا وتعاملت معها فى السنوات الماضية بكثير من الاستعلاء والفوقية، بل ووصل الأمر بالرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بأن وصفها بتعبير مهين لكرامة كل الأفارقة.
وكان ذلك إيذانا بأن إدارته تنسحب من القارة بأكملها، وهو الأمر الذى استغله الصينيون بمهارة وتوسعوا فى علاقتهم الشاملة مع العديد من دولها، ليس فقط فى مجالات الاستثمار والبنية التحتية والمواد الخام، لكن العلاقات شهدت تطورا مهما وهو أن الصين اخترقت مجالا جديدا كان بعيدا عنه وهو العلاقات العسكرية ورأيناها تقيّم قواعد فى القرن الإفريقى قرب جيبوتى أقصى الشرق، والسعى لإقامة قواعد مماثلة أقصى الغرب على ساحل المحيط الأطلنطى.
وإضافة لذلك هناك وجود عسكرى روسى ملموس فى العديد من البلدان الإفريقية خصوصا فى دول الساحل والصحراء.
من أجل كل تلك الخلفية السابقة يمكن فهم سعى الإدارة الأمريكية لمحاولة إصلاح الأخطاء الفادحة التى ارتكبتها فى السنوات الماضية ومطاردة الصين فى القارة السمراء واستعادة نفوذها السابق الذى فقدته فى القارة الإفريقية.
وبالتالى يمكن فهم القمة الأمريكية الإفريقية التى انعقدت الأسبوع الماضى، لكن بالطبع وبعد استعراض الخلفية السابقة تثور العديد من الأسئلة أهمها: من الذى ينتصر فى هذا الصراع الأمريكى الصينى فى المنطقة، وهل يمكن للعرب والأفارقة الاستفادة من هذاالصراع، بدلا من أن يكونوا وقودا لهذا الصراع، وما هى الأوراق التى تملكها المنطقة للاستفادة من هذه التطورات؟!