ما لم تحدث معجزة، فإن المؤتمر الدولى بشأن الأزمة الليبية، الذى سينعقد اليوم فى العاصمة الألمانية برلين لن يستطيع التوصل إلى حل شامل للأزمة.
أتمنى من كل قلبى أن تحدث المعجزة، ويتمكن المؤتمر من حل الأزمة بصورة تعيد ليبيا بلدا عربيا طبيعيا موحدا فى جيشه وأراضيه ومؤسساته، بعيدا عن حكم الميليشيات أو المنظمات المتطرفة أو الاستبداد.
الوقائع على الأرض تقول إننا مازلنا بعيدين عن الحل الشامل، والأسباب معروفة للجميع، لكن بعضهم لا يريد أن يرى الأمور بصورة واقعية بل بصورة حالمة حينًا ومتواطئة أحيانًا.
الطرفان المتصارعان أى الجيش الوطنى وحكومة الميليشيات، ذهبا إلى مؤتمر موسكو الأسبوع الماضى، لكن لم يتفقا على حل لأن كل طرف يتمسك بمواقفه الأساسية، وهى مواقف متناقضة ولا يمكن أن تلتقيا. حكومة الميليشيات التى يرأسها فايز السراج وقعت على الاتفاق؛ لأنها «محشورة فى الركن» بعد النجاحات الميدانية التى حققها الجيش الوطنى الليبى بزعامة خليفة حفتر، وأى اتفاق يوقف إطاق النار، هو مكسب استراتيجى لها، حتى تتمكن من إعادة تسليح نفسها عبدالبوابة التركية، والانقضاض على الجيش، الذى رفض قائده خليفة حفتر التوقيع، وغادر موسكو، معتبرا صيغة الاتفاق تكافئ الميليشيات وليس العكس.
التركية..
الرئيس التركى كتب مقالا أمس السبت فى صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية، يهدد فيها أوروبا والعالم بصورة سافرة قائلا: إذا سقطت حكومة السراج فستجد أوروبا داعش والقاعدة أرضا خصبة فى ليبيا، وإننا سنقوم بتدريب قوات الأمة الليبية والمساهمة معها فى قتالها ضد الإرهاب والاتجار بالبشر، وبالتالى فإن طريق السلام فى ليبيا يمر عبر تركيا!!!.
ما قاله أردوغان يتسق مع طريقته التى حققت له بعض المكاسب الجزئية فى سوريا، ويعتقد أن الطريقة نفسها ستنجح فى ليبيا، هو يبتز أوروبا بالإرهابيين والمهاجرين، علما أنه هو شخصيا من يرعى الإرهابيين فى سوريا علنًا، ويحركهم كيفما يشاء من إدلب إلى طرابلس.
الهدف الجوهرى لأردوغان هو السيطرة على النفط الليبى أولا، وبسط سيطرة جماعة الإخوان وحلفائها على ليبيا ثانيا، وبالتالى بسط السيطرة على المنطقة اعتمادا على وجود جماعة الإخوان متمثلة فى حركة النهضة التى تشارك فى الحكم فى تونس.
أردوغان يحاول أيضا إغواء الجزائر، التى اتخذت موقفا صادما قبل أيام، حينما اعتبرت سقوط طرابلس فى يد الجيش الوطنى خطا أحمر لن تقبله، ولا نعرف ما هى الاعتبارات التى تجعل الجزائر تقبل بسيطرة الميليشيات المتطرفة التى قتلت مئات الآلاف من الشعب الجزائرى فى «العشرية السوداء»؟!.
إيطاليا تنحاز إلى حد كبير إلى حكومة السراج فى حين يقترب الموقف الفرنسى من المشير خليفة حفتر، وهو نفس الموقف الذى تتخذه اليونان وقبرص، والموقف الألمانى يميل إلى الحياد إلى حد كبير.
مصر تدعم وحدة الأراضى والمؤسسات الليبية خصوصا الجيش الوطنى، وهو نفس الموقف السعودى والإماراتى والبحرينى والأردنى، وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى بوضوح أن مصر لن تقبل بسقوط ليبيا أو السودان تحت حكم الإرهابيين والمتطرفين.
الموقف الأمريكى غامض وملتبس، مرة يدعم حفتر وأخرى يطالبه بوقف الهجوم، أما الموقف الروسى فيميل إلى حد كبير إلى موقف الجيش الليبى، وإن كان البعض استغرب موافقة موسكو على الوثيقة الأخيرة التى رفض حفتر التوقيع عليها؛ لأنها تنحاز فى الجوهر لدعم حكومة الميليشيات. والبعض اعتبر الموقف الروسى الأخير حلا وسطا لارضاء تركيا، كى تتنازل فى مواقع وصفقات أخرى، خصوصا إدلب وخطوط الغاز، وصفقات السلاح بين أنقرة وموسكو.
تلك هى أبرز المواقف الدولية والإقليمية من الأزمة الليبية، والملاحظة الجوهرية، أن معظمها متناقض ومتصادم، ويحتاج إلى معجزة فعلا للوصول إلى حل حقيقى.
نتمنى الوصول إلى حل من أجل حقن دماء الشعب الليبى الذى يدفع الثمن الأكبر من هذه المأساة، المستمرة منذ عام ٢٠١١، لكن أى حل من دون نزع سلاح الميليشيات ووجود جيش وطنى موحد، وتوافق وطنى حقيقى، سيعنى مجرد مسكنات وبعدها تنفجر الأزمة، ربما بصورة أسوأ مما هى عليه الآن.
ورغم ذلك، نتمنى أن تحدث المعجزة ونرى حلا للأزمة عبر بوابة برلين.