نحن أصبحنا فى عصر تُنشر فيه كتب كثيرة فى مختلف المجالات وبمختلف اللغات، آلاف إن لم يكن الملايين من الكتب تنشر كل عام فى مختلف المعارف البشرية. طبعا هذا لا ينفى أن عدد القراء ومعدلات الكتب التى يقرأها كل شخص تزيد بنفس النسبة لكن هذا موضوع آخر. موضوعنا اليوم عن الكتب وعلى الأخص الكتب العلمية الموجهة للعامة وليست الكتب الموجهة للخاصة من الدارسين والباحثين. هذه النوعية من الكتب مهمة جدا لسببين. أولا وجود تنوع فى الكتب يزيد من عدد القراء لأن كل قارئ سيجد غايته، ثانيا وجود كتب علمية للعامة سيأخذ بيد العامة نحو العلم ومعرفة ما يدور حولهم فى هذا العالم وهذا الكون وهذا سيجعل الشخص العادى يفكر بطريقة مختلفة كما ذكرنا فى مقال سابق ويشجع الشباب على الدراسة فى التخصصات العلمية التى يهابها الكثيرون. نريد أن نتحدث اليوم عن الكتب العلمية للعامة: ماهيتها وكيف نكتبها.
ما معنى الكتب العلمية؟ قد يبدو هذا السؤال بسيطا، بل وساذجا لكنه ليس بهذه السهولة فأنت قد ترى كتابا يبدوا للوهلة الأولى أنه يتحدث فى موضوع علمى لكنه مليئا بالدجل، أو الخرافات، أو المعلومات الخاطئة، أو المعلومات التى كانت صحيحة فى وقت ما ثم أصبحت خطأ أو ظهر ما أو أصح أو أفضل. إذا الكتاب العلمى لابد أن يتكلم فى موضوع أثبته العلم أو على الأقل وصل فيه العلم لفرضيات جاءت عن طريق الملاحظة أو التجربة.
أحب أن أضع فى زمرة الكتب العلمية الكتب التى تتحدث عن تاريخ العلم وسير وتراجم العلماء لأنها تحفز الشباب على سلوك نفس الطريق الذى سلكه من قبلهم علماء كبار وباحثين عظام، وقد تحدثنا منذ زمن وفى مقالين مختلفين عن أهمية معرفة تاريخ العلم وأهمية دراسة سير العلماء على أن من يتصدى لكتابتها يجب أن يتمتع بحيادية أى قال ما للعالِم وما عليه، لأن على الشباب والقراء عامة أن يعلموا أنه لا ملائكة على الأرض وأن هناك حتى من الحاصلين على جائزة نوبل من أخطأ فى تجارب ومن تم رفض أبحاث علميه له من النشر وهناك من يتمتع بعقلية علمية فذة وأخلاق متدنية، وهناك العكس: من يتمتع بأخلاق عالية ومستوى علمى متوسط أو متواضع لكنه أفاد العلم بطرق أخرى مثل الإدارة والتمويل.. إلخ. كل هذه المعلومات مهمة للقارئ فالجانب العلمى والجانب الإنسانى يعطيان الصورة الكاملة.
نحن نتحدث عن كتب علمية موجهة للعامة فمن هم العامة؟ هم ببساطة الأشخاص غير المتخصصين فى موضوع الكتاب، أنت قد تكون حاصلا على أعلى الدرجات العلمية فى الطب لكن فى مجال هندسة الحاسبات مثلا تعتبر من العامة، لذلك لفظة العامة لا تعتمد على الدرجة العلمية لكن تعتمد على مدى تخصصك فى الموضوع الذى تقرأ عنه.
أما وقد عرفنا الكتب العلمية الموجهة للعامة نأتى لسؤال آخر: كيف نكتب تلك الكتب بحيث تحقق هدفها من جذب القارئ ثم إعطاءه معلومات مفيدة ثم تطوير طريقة تفكيره؟ أولا يجب أن يكون الكاتب ملما إلماما كبير بالموضوع الذى يكتب عنه، ليس بالضرورة أن يكون عالما أو متخصصا فى هذا الموضوع لكن لابد أن يكون قد قرأ فيه كثيرا وتحدث مع متخصصين كثيرين فيه حتى يستمع لآراء متعددة ويقارن الآراء ببعضها. ثانيا يجب أن يُحسن الكتابة بطريقة شيقة أى فى صورة حكاية، الكلام الجاف أو إلقاء المعلومة تلو الأخرى فى وجه القارئ لن تجعل القارئ يكمل الكتاب، بل وقد تأتى بنتيجة عكسية ويكره القارئ هذا الفرع من المعرفة، استخدام القصة والأمثلة، بل والفكاهة من أهم الأسلحة لكسر صعوبة المادة المقدمة. ثالثا يجب أن يربط الموضوع بحياة القارئ، إذا كنت تكتب عن التغيير المناخى مثلا لا يكفى أن تسرد معلومات أو تتكلم عن حياة العلماء الذى عملوا فى هذا المجال بل يجب أن تشرح للقارئ كيف سيؤثر ذلك على حياته هو شخصيا وعمله وأسرته وكيف يستطيع أن يساهم عن طريق بعض التغيير البسيط فى عاداته وتفكيره فى مجابهة هذا الخطر القادم، ومثل ذلك يمكن قوله أيضا فى موضوعات مثل تدوير المخلفات والطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعى.. إلخ .
عندنا فى مصر عدد من الكتب العلمية الموجهة للعامة بعضها جيد وبعضها الآخر به عيوب من التى ذكرناها فى هذا المقال والبعض الثالث تحس أن الكاتب قد أصدر الكتاب ليقال إن له كتابا منشورا أى من باب الوجاهة الاجتماعية لأن الكتاب مجرد تجميع معلومات تستطيع الحصول عليها عن طريق الانترنت ولكن وضعها كما هى دون تدقيق يخرج تلك الكتب من تعريفنا عن الكتب العلمية، هناك مجهود طيب لكن الخطوة يجب أن تتبعها خطوات ونحن لا تنقصنا المواهب.